رأي

قوى الحرية والتغيير.. أداء مخيب للآمال

15 أكتوبر 2019
GettyImages-1150168352.jpg
على قوى الحرية والتغيير إعادة النظر في علاقتها مع التيارات الشبابية الثورية (Getty)
عامر صالح
عامر صالحصحفي من السودان

انتشرت الأيام الفائتة في الأوساط السودانية من مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات لتسيير مواكب لمنطقة اعتصام القيادة العامة، وغيرها من الأماكن ذات القيمة الرمزية، للمناداة بمطالب متعددة ومتنوعة تدور كلها في فلك رفض الاتفاق، أو بنود من الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، للمطالبة بتغييرات جذرية في شكل النظام الجديد وسلطات وصلاحيات مكوناته المختلفة، بالإضافة للتأكيد على ملاحقة مجرمي النظام البائد، والتعامل الجاد والمسؤول مع التحقيق في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، وتقديم مرتكبيها للعدالة.

على قوى الحرية والتغيير إعادة النظر في هذه العلاقة، بينها وبين التيارات الشبابية الثورية، وفي طريقة تعاملها مع الجماهير ككل

أثارت هذه الدعوات قلق السودانيين على فترتهم الانتقالية، المتربًّص بها من قبل أعداء داخليين وخارجيين، وأنشأت استقطابًا حادًا في المواقف بين داعمين لتسيير المواكب، يرون في الاتفاق الذي تم نوعًا من الهبوط الناعم الذي لا يمثل الثورة ولا يطوي صفحة الأمس، ومناوئين يرون أن التظاهر ضد الحكومة الانتقالية، يمنح فرصة ومنفذًا للمتربصين وفلول النظام السابق، والقوى المضادة للثورة لركوب الموجة الجديدة، وعملًا غير مسؤول يتعجل النتائج ويضعف الحكومة، والتي هي في أشد الحاجة للدعم الشعبي والالتفاف الجماهيري في هذه الفترة العصيبة والحساسة من تاريخ السودان.

ومن نافل القول أن كلا الرأيين يحملان بعضًا من الحقيقة، ويستحقان النقاش الجاد لتقريب وجهات النظر، للوصول إلى منطقة وسطى تضمن وحدة الصف الوطني وتسمح للثوار من الجانبين بالتعبير عن هواجسهم، والتي تمليها عليهم ضمائر حية وحس وطني سليم ومن روح الثورة نفسها، والتي من مصلحة السودانيين أن لا تنطفئ خصوصًا في ظروف الفترة الانتقالية، المهددة والمثقلة بتركة النظام السابق والدولة العميقة وتحديات الواقع الماثل الصعبة والشائكة.

اقرأ/ي أيضًا: تركة البشير البالية.. دولة موازية تؤرّق السوادنيين

ولكن في الأمس القريب خرجت علينا القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير في مؤتمرها الصحفي، بتصريحات وانتقادات لدعاوى المواكب والتظاهرات، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير موفقة، إذ تشكك تلك التصريحات في دوافع المنادين بالمواكب وتعمل على ترسيخ الانقسام بين رفاق الأمس، الأمر الذي سيؤدي لنفس النتيجة التي تحاول قوى الحرية تلافيها، بتصريحاتها غير المسؤولة وموقفها السلبي الكسول، الشيء الذي يمكن أن يفقد الحكومة الانتقالية التفاف طيف واسع من الشباب الثائر، والذي يمثل أهم الدعامات والركائز التي صعدت على اكتافها هذه القوى ذاتها، لتنصب نفسها ممثلا للثورة وللشعب السوداني.

ومن الواضح أن الجماهير الثائرة تسبق هذه القوى السياسية الحزبية بمسافات، فقد اتسم الرأي العام في نقاش المواقف من هذه الدعوات، بروح من التسامح تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وإسكات الاصوات المشككة والمخوِّنة، والتأكيد على حرية التعبير بل وحتى وحدة الأهداف، ولكن مع اختلافات طبيعية ويمكن حتى أن نطلق عليها صحية، تتعلق بالوسائل والأساليب للوصول لهذه الغايات، وهو أمر صبغ جميع مراحل ثورة ديسمبر المجيدة وما تلاها من منعطفات ومنعرجات، قادت في آخر الأمر للوضع الحالي، والذي يحمل كثير من جماهير الشعب السوداني الثائر بعض التحفظات عليه، ولكنهم يدعمونه لأنه يبني ويؤسس لسودان يكون فيه التغيير للأفضل ليس ممكنا فقط وإنما هو ديدنه وطريقه ومسلكه.

كان من الأفضل لقوى الحرية والتغيير بدلًا عن أن ترمي أصحاب دعوة التظاهرات من أجل العدالة، بالاتهامات الجزافية والتبرؤ من قواعدها الثورية، وحتى لا تجعل منها هي ذاتها عالة تخصم من رصيد الحكومة الانتقالية، أن تفتح آذانًا صاغية ونوافذ للضوء تؤسس لعلاقة جديدة بين الجماهير والنخب السياسية، علاقة لا تتسم بروح التعالي والانغلاق، وإنما بمنطق التداول والتواصل، ولكنها اختارت الانكفاء على أساليبها القديمة، كأن لوثة النظام السابق الشمولية والأحادية المتعصبة، التي حاربها السودانيون بلا هوادة، لم تخرج منها بعد. إذ تتعامل هذه القوى بذاكرة ومخيال عصر ما قبل الثورة، حيث ينقسم الناس بالنسبة لها لنوعين، إما معها أو ضدها، وهي وجهة نظر خاطئة وخطيرة وتمثل تهديدًا جديًا لمجمل مكاسب ثورة الشعب السوداني، المتنوع والمتعدد المشارب والتوجهات، والذي ما خرج للشوارع بالهتافات إلا للإفلات من قيد الخطاب الشمولي المتسلط، الذي لم يدع مجالًا للناس يعبروا فيه عن آرائهم بحرية ودون تخوين، ولم يسمح بتوفير قنوات لتوصيل تلك الآراء، إلا ما عزز من سيطرته وهيمنته على البلاد.

الجماهير الثائرة تسبق القوى السياسية الحزبية بمسافات، فقد اتسم الرأي العام في نقاش المواقف من هذه الدعوات، بروح من التسامح تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وإسكات الاصوات المشككة والمخوِّنة

على قوى الحرية والتغيير إعادة النظر في هذه العلاقة، بينها وبين التيارات الشبابية الثورية، وفي طريقة تعاملها مع الجماهير ككل، والتي لاقت انتقادات واسعة في أكثر من مرة، ويجب عليها التحلي بروح المسؤولية، وأن تؤسس لممارسة جديدة إيجابية وفاعلة، تضمن سماع الأصوات المختلفة التي تتفق معها في أهداف الثورة وإعلان الحرية والتغيير، والذي هو السبب الوحيد لالتفاف الناس حول هذه القوى. فالجماهير التي أطاحت بنظام عمر البشير الشمولي المتسلط، والذي رسخ نفسه طوال الثلاثين عامًا الماضية في جميع مفاصل الدولة السودانية، وعمل على إسكات الناس بالقوة الغاشمة والتغييب القسري وحتى القتل والاغتيالات، هذه الجماهير قادرة على الإطاحة بقوى الحرية والتغيير التي يبيِّن أداؤها المتردد وضيق صدرها بالآراء المخالفة، هشاشتها وضعفها، على عكس جماهير الشعب السوداني التي لم توفر جهدًا في سبيل البحث عن مخرج من عنق الزجاجة، و"التي أعطت وأعطت وأعطت ولم تأخذ شيئًا" بعد. كما يقول المفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد في سفره الخالد "السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رِفقًا بـ"حمدوك": ساحر بلا عصا أو معجزات (1-4)

جدل الوصل والانقطاع في الثورة السودانية

 

 

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert