قمم كير – مشار ومأزق الوساطة (1-2)
5 فبراير 2020
كشفت جولة المباحثات الأخيرة بين شركاء اتفاقية السلام المُنشطة، التي اختتمت الأسبوع المنصرم في العاصمة جوبا، برعاية السيد ديفيد مابوزا نائب رئيس دولة جنوب أفريقيا، عن استفحال خلافات الطرفين بشأن القضايا الخلافية المتمثلة في عدد الولايات وحدودها الإدارية، وبنود الترتيبات الأمنية، وإشكالية التمويل. وهي القضايا الرئيسية التي تُعرقل تشكيل الحكومة الانتقالية قبيل انتهاء مهلة الـ 100 يوم المحددة. ولم ينجح الطرفان ولا الوساطة نفسها في مغادرة محطة البيانات الصحفية، كما جرت العادة في القمم السابقة بين كير ومشار، والتي عادة ما تختتم بيانات دون أي تقدم يُذكر في أي من القضايا.
لم يعد في جعبة الوساطة أي حلول لتطرحها، لذا يمكن القول إن الاتفاقية المُنشطة تواجه خطر الانهيار بعد فشل أطرافها في التوافق حول تشكيل الحكومة مرتين
واقع الأمر، فشلت هذه القمة، كما فشلت غيرها من القمم السابقة بين الرجلين، ولم يعد في جعبة الوساطة أي حلول، لذا يمكن القول إن الاتفاقية المُنشطة تواجه خطر الانهيار، جراء عجز أطرافها عن التوافق مرتين حول تشكيل الحكومة الانتقالية، أولًا في أيار/مايو 2019 ثم في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، قبل أن يتقرر إرجاء تشكيلها لنحو ثلاثة أشهر أخرى، تبقي منها أقل من شهر. المعطيات الراهنة ترجح استمرار تباعد المواقف، وتمسك كل طرفٍ بموقفه، دون أي اعتبار لمصالح المواطن المغلوب على أمره. والفرصة الراهنة هي الثالثة، وربما الأخيرة قبل عودة الأطراف للمربع الأول وهو الحرب، التي لا تعدم من ينادي بها حاليًا. وإزاء هذا الواقع تلبدت الأجواء بالغيوم، وسيطرت حالة من اللايقين على الوساطة نفسها، بالرغم من عدم اعتراف القائمين عليها بانسداد الأفق.
اقرأ/ي أيضًا: كير ومشار يتفقان على تشكيل الحكومة الانتقالية قبل نهاية مهلة الـ100 يوم
المأزق الراهن يمكن تلخيصه في كون كل قادة القوى السياسية سواء الموقعة وغير الموقعة، لا ينطلقون من إرادة حقيقية لتجاوز فشلهم في ما مضى، كما أنهم لم يتعظوا كذلك من التجارب السابقة، فخلافاتهم هي ما قاد إلى الانهيار الماثل الآن في البلاد، وهو إخفاق عسير يشابه إخفاق الوساطة نفسها في اجتراح الحلول.
فقضية الولايات -على سبيل المثال- التي هي المعضلة الأساسية الآن يمكن حلها إذا تحلى القادة بالمسؤولية الوطنية واستشعار خطر انهيار الدولة، الذي تتحمل حكومة الرئيس كير المسؤولية الكبرى عنه، لأنها تتولى زمام شؤون البلاد، فبعض قادتها يتصرفون كما كان يتصرف ملوك البوربون في فرنسا الذين حكموها استبدادًا وفسادًا حتى أطاح بهم الشعب الفرنسي بثورته وتوج نضالاته بقيام الجمهورية على أسس "الحرية - الإخاء - والمساواة" كما هو معروف.
فنهج التلكؤ الذي تنتهجه الحكومة في مواقفها وقراراتها إزاء السلام والقضايا العالقة، وتبنيها إستراتيجية إضاعة الوقت والتعنت في قضايا محسومة سلفًا وفق بنود الاتفاقية نفسها، هو أمر يهدد مسار عملية السلام برمتها، ويعيد للأذهان ما حدث بعد توقيع اتفاق السلام السابق في آب/أغسطس 2015، والذي انتهى بكارثة جي 1 ومًقتل المئات من أبناء الوطن. فما أدلى به وزير مجلس الوزراء في وقت سابق عن أنه لا حل لقضية الولايات سوى بإقامة استفتاء عام يشارك فيه كل الشعب ما هو إلا عبث بعقول الناس، وسوء فهم للموقع الذي يجلس فيه. ومن ناحية أخرى، محاولة الحكومة إخراج المظاهرات تأييدًا لمواقفها في بعض الولايات هو الآخر مأساة جديدة تضاف لمآسي الحكومة. فقرار الرئيس 36/2015 بزيادة عدد الولايات لـ 28 ثم 32 لاحقًا هو معركة من غير معترك.
الأزمة لم تعد محض صراع على السلطة، بل تهدد مكتسبات الدولة والوحدة الوطنية، ولن تخرج هذه القمم سوى ببيع الكلام
وفي حقيقة الأمر جاء قرار زيادة الولايات في سياق سعي الرئيس لضمان استمرار نفوذه في صراعه مع غريمه مشار، وسحب البساط منه. فكلا الرجلين ينطلق من الرؤية ذاتها في صراع النفوذ، بمعنى أنهما استخدما كل الآليات والوسائل للتغلب على الطرف الأخر، فقرار الرئيس جاء بعد أن دعا مشار للنظام الفدرالي القائم على نموذج الإدارة الاستعمارية البريطانية السابقة. توضح هذه الحقيقة فشل الرجلين في تقرير ما هو تكتيكي وما هو إستراتيجي لاستقرار الدولة.
فالأزمة لم تعد محض صراع على السلطة، بل صارت تهدد مكتسبات الدولة والوحدة الوطنية. ولذلك في تقديرنا، لن تخرج هذه القمم بجديد سوى بيع الكلام للناس، ومن هذا المنطلق، يجب على الوساطة اللجوء لخيارات أخرى أكثر فعالية، والتعاون مع الشركاء الدوليين. وبعبارة أخرى، على منظمة الإيقاد إيقاف منهجها القائم على عدم الشفافية وتمليك الحقائق لشعبنا.
اقرأ/ي أيضًا: أمريكا تعرض قضية جنوب السودان أمام مجلس الأمن
وقد فشلت الإيقاد في كسب ثقة الأطر نتيجة للعامل السابق ذكره، وأصبحت حكمًا أكثر من كونها وسيطًا مهمته الأساسية تقريب وجهات النظر وتقديم الاقتراحات، وصارت هي الحاكم الفعلي للبلاد، وذلك لا لقوتها، انما لضعف دولتنا ونخبنا السياسية والعسكرية.
ومن ناحية أخرى، تعاني الإيقاد من افتقارها لمنهجية واضحة لإدارة المفاوضات مقارنة بالمبادرات الرامية لحل الأزمة التي تطرح من أوساط دولية أخرى، وتقوم على إشراك التنظيمات غير الموقعة على اتفاقية السلام المُنشطة، كما في المبادرة التي انطلقت في روما أواخر كانون الثاني/يناير وبرعاية بابا الفاتيكان، حيث وقع الأطراف ما أطلق عليه إعلان المبادئ، كإطار عام لتحديد أطر مشاركة القوى، تمهيدًا لانخراطها في الحكومة الانتقالية، المزمع تشكيلها في الفترة القادمة.
بات من الصعب على الإيقاد إحداث اختراق في أي من القضايا العالقة، في الوقت الذي يتصاعد فيه شك وقلق عموم الشعب بشأن مصير اتفاقية السلام، مع استمرار تباعد المواقف بين أطرافه الموقعة، خاصة بعد إعلان الرئيس سلفاكير وحلفائه عدم الرجوع عن عدد الولايات الحالي، وتأكيدات المعارضة بقيادة مشار امتناعها عن المشاركة في أي حكومة انتقالية إن أصر الجانب الحكومي على المضي قدمًا في التمسك بموقفه المتعنت.
إذًا تكمن العلة الرئيسية في هذه االطبيعة الصفرية للصراع، وفي عدم وضوح الرؤية السياسية لهذه الأطراف حول إدارة الدولة، أو حصرهم للصراع حول تقاسم السلطة والثروة فقط، دون النظر في القضايا الملحة للمواطن العادي وتوفير الخدمات العامة الأساسية له، وبسط الأمن وإعمال القانون بالعدالة بين جميع المواطنين دونما تمييز على أساس الانتماء القبلي أوالعشائري أو المناطقي.
اقرأ أيضًا:
مشار في جوبا للمباحثات والمعارضة ترهن مشاركتها في الحكم بحل القضايا العالقة
جنوب السودان.. جدل الولايات وإشكالية نظام الحكم
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.