في عيدها الأول.. لماذا تنتصر ثورة السودان؟
22 ديسمبر 2019
في الذكرى الأولى للثورة المصرية، كانون الثاني/يناير من عام 2012، كانت شوارع مصر تشهد مواجهات بين المطالبين بالتغيير الذي لم يتحقق منه شيء سوى تزايد معدلات القتل والانتقال من حكم استبدادي إلى حكم عسكري أكثر استبدادًا، والاستعداد لنتيجة تحالف عسكري ديني سيُجهز لاحقًا على الثورة تمامًا، وفي الذكرى الأولى لثورة تونس، كان الثوار كذلك يواجهون قوى تحالف الفساد القديم ورجعية جماعات دينية أخرى ستُؤدي لاحقًا إلى ديمقراطية شكلية تُعجب الكثيرين ولكن دون تغيير حقيقي في بُنية الحُكم الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك باقي تجاربنا في التحول، بينما نحتفل جميعنا اليوم بالعيد الأول لثورة السودان التي لا تُشبه غيرها من ثوراتنا.
في تشرين الأول/أكتوبر 2012، نجحت القوى المهنية والاجتماعية في صنع تنظيم سيغير مجرى تاريخ السودان ويُصبح أول تنظيم شعبي في منطقتنا الحزينة ينقل حراكًا شعبيًا واجتماعيًا وثوريًا إلى أروقة الحكم
في 11 نيسان/أبريل 2019 توجهت الأنظار إلى السودان وثورته بعد نجاحها في إجبار الطغمة العسكرية على عزل رئيس الجمهورية عُمر البشير قبل أشهر من إكمال عامه الثلاثين فوق كرسي الحُكم، (30) عامًا شهدت خلالها البلاد مجازر ومذابح وانقسامات وتردّي عام لكل أشكال الحياة، إلا أن هذا النصر الذي تلته انتصارات أعمق وأهم لم يأتِ صدفة ولا ارتجالًا ولا شكليًا ككثير من انتصاراتنا، فخلف هذا التاريخ هناك تواريخ كثيرة كانت محطات شحن وتعبئة وعمل متواصل نجحت في صنع ثورة عظيمة لم تأخذ حقها حتى الآن في البحث والكتابة والدراسة.
لم تأخذ المظاهرات السودانية التي انطلقت تزامنًا مع الربيع العربي بداية عام 2011 زخمًا كبيرًا ولا أهمية دولية كبيرة نظرًا لانشغال الجميع هناك باستفتاء انفصال جنوب السودان الذي صوّت لصالحه حوالي 99 بالمئة من أهل جنوب السودان لينفصلوا عن حكم البشير العسكري الديني الدموي، ولكن رغم ذلك كان هناك نار تحت الرماد ربما لم يُلتفت لها جيدًا، فبعد عام ونصف تقريبًا، تحديدًا في تشرين الأول/أكتوبر 2012، ستنجح القوى المهنية والاجتماعية في صنع تنظيم سيغير مجرى تاريخ السودان ويُصبح أول تنظيم شعبي في منطقتنا الحزينة ينقل حراكًا شعبيًا واجتماعيًا وثوريًا إلى أروقة الحكم عبر المظاهرات الضخمة في الشوارع والميادين وكذلك عبر طاولات المفاوضات، إنه تجمع المهنيين السودانيين.
اقرأ/ي أيضًا: هوس الامتلاك.. قراءة في سيكولوجيا "الزحف الأخضر"
خلال الموجة الثانية من الربيع العربي والتي ضمت السودان والجزائر والعراق ولبنان رفع الكثيرون شعار "لن نُكرر أخطاء الآخرين" والذي قُصد به أخطاء الموجة الأولى وعلى وجه التحديد الثورة المصرية التي قُضي عليها تمامًا، إلا أن ذلك لم يحدث بشكل حقيقي سوى في السودان، فأهم دروس الموجة الأولى من الربيع كانت أن التنظيم القوي المرتبط والمندمج والمُعبر عن الحراك هو أحد أهم أسباب النجاح، فالتنظيم وحده قد يؤدي إلى كوارث مثلما فعل تنظيم الإخوان في مصر، فبعد نجاحه في الوصول إلى الحكم لم يُكمل عامًا واحدًا وانتهى التنظيم نفسه بجانب أنه كان من أهم أسباب نهاية الثورة، وكذلك الحال في تجارب أخرى أقل مأساوية مثل المغرب أو التي لم يكن فيها تنظيمات بالأساس فكان مصيرها أشد وأسوأ.
من تشرين الأول/أكتوبر 2012 وحتى أبريل 2019 خاض التنظيم السوداني معارك شديدة ربما كان أصعبها معاركه مع نفسه، فتوحيد رؤية أكثر من (17) تنظيمًا نقابيًا ومهنيًا خلف مطالب شعبية وتثبيت أقدامه داخل المجتمع لتستجيب الملايين لدعوته للتظاهر والاحتجاج والثقة فيه لدرجة الإيمان بقدرته وإخلاصه حد التضحية والفداء بمئات الشهداء هو ليس بالأمر الهين ولكنه أمرٌ عظيم فشلنا جميعنا في بلوغه، وربما التدقيق في تكوين وتحرك ونقاشات وجدالات هذا التنظيم وكيفية نجاحه في البُعد عن النخبوية والتعالي وتحجيم وكبح جماح الطموح الفردي والاستغلال والنفعية الشخصية لهو أكبر من أن يُرصد في مقال، ولكن بنظرة بعيدة ومبسطة يمكننا ملاحظة عظمة هذه التجربة وجدارتها بالدراسة للاستفادة الحقيقية من هذا الإنجاز.
خلال شهور الانتفاضة السودانية العظيمة من كانون الأول/ديسمبر الماضي وحتى الآن كان لي الحظ في الاطلاع على بعض من تفاصيل هذا الحراك عبر مناقشات لبعض المشاركين فيه وتتبع لبعض أحداثه، والتي أدهشتني تفاصيلها الخاصة بالتنظيمات الصغيرة في مدن وأحياء وقُرى السودان ودور هذه التنظيمات في الثورة وعزمها الحالي على إكمال التجربة واستعدادهم للقادم، وكذلك الدور الكبير والضخم للمرأة السودانية الذي هو أكبر وأعمق من بعض الصور التي خرجت إلينا، فالتنظيمات والتجمعات النسائية كان دورها هو الأهم والأقوى في تنظيم الحراك ودفعه للنجاح، والإصرار الشديد على بلوغ الهدف المنشود عند مختلف فئات وطبقات الشعب حتى أضحت كلمة "مدنية" هي الشعار الأكبر والأوسع ليس في الخطب والهتافات وإنما في الحديث والحوارات والمناقشات الشعبية والفردية، تلك الرؤية والجهد هو ما تظهر تجلياته اليوم، فبعد أن نجح الحراك في نزع رأس النظام وإجبار أذنابه على الجلوس والتفاوض والشراكة في الحكم رغمًا عنهم، انطلقت الملايين تُحيي عيدها الأول وتُعلن مواصلة نضالها حتى بلوغ هدفها الذي لم يغب عنها وهو الدولة المدنية العادلة والحرة والديمقراطية.
في عيدها الأول، لا تزال الثورة السودانية تُبهرنا بعظمتها وقدرتها الحقيقية على الاستفادة من أخطائها وأخطائنا، وتستمر في إعطاء الدروس لمن يُريد في أُسس وأسباب نجاح التحركات الشعبية
في عيدها الأول، لا تزال الثورة السودانية تُبهرنا بعظمتها وقدرتها الحقيقية على الاستفادة من أخطائها وأخطائنا، وتستمر في إعطاء الدروس لمن يُريد في أُسس وأسباب نجاح التحركات الشعبية، وهي ليست شعارات وحسب وإنما مجهود ونضال كبير ومستمر يحتاج إلى قيادات ونُخب وكوادر حقيقية تعرف كيف تفهم وتتواصل مع مصدر قوتها الحقيقية، وهي الناس والجماهير، وكيف تُغلّب المصلحة العامة والهدف الأكبر على مصالحها ورؤيتها الشخصية وذلك عبر قواعد ومحددات وليس بشكل فردي، دروس تستطيع فعليًا أن تجعل لتضحيات الشعوب أثر حقيقي وواقع جديد، فتحية للسودان وثورته وثواره وقياداته وشهدائه الأبرار.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.