عن الأنطون والكُج والباع في الكرة السودانية
13 فبراير 2025
أذكر، في فترة التسعينيات، سجل فريق المريخ نيالا صديقي وقريبي بشير، الشهير بـ"بشو" للعب في خانة الهجوم. فرحنا وابتهجنا وانتظرنا أولى مبارياته في الدوري. وفي اليوم المحدد للمباراة الأولى، بدا بشو متوترًا وعصبيًا بشكل لافت ومقلق، كنت مسلتقيًا قربه واسمعه يهمهم ويتحوقل، ويمسك برأسه دلالة على الهم، ثم ينهض فجأة من السرير ويهبط ثانية وهو شبه منهار. فجأة خطرت لي فكرة، اقتربت منه بهدوء وأمسكت قدمه اليسرى، كان أعسرًا، انحنيت ببطء على القدم الذهبية، بدأت أدلكها وامسحها صعودًا وهبوطًا وأنا أتمتم بكلمات غير مفهومة، لم يستغرق الأمر أكثر من خمس دقائق وأنا ألاحظ بوادر الراحة على الجسد المتوتر، انتهيت وقلت له: "مبارك يا فنان، ح تسجل هدفًا اليوم". وكان ذلك، ومن يومها ناداني بشو بـ"شيخي"، إلى أن طرأ جديد أخرجه من الملاعب إلى الأبد، فأبدلني من الشيخ إلى "الكُج".
ارتباط "الكُج" بكرة القدم لدى السودانيين يأخذ بعدًا أكثر طرافة وغالبًا ما يتعمد الشخص الموصوف بأنه "كُج" التكهن بنتائج المباريات
مع تأهل المنتخب القومي السوداني لكرة القدم إلى نهائيات الأمم الأفريقية المقامة في المغرب، وعبور نادي الهلال السوداني إلى ربع نهائي بطولة الأندية الأبطال في أفريقيا، شاع وسط قطاع عريض من مشجعي ومحبي الكرة في السودان إن للأمر علاقة وطيدة بـ"كُج" جماهيري انزاح هذا العام، بسبب انشغال السودانيين بسلامتهم وأمنهم في ظل الحرب العنيفة الدائرة، وابتعادهم بالتالي عن تلك المتابعة اللصيقة لمنافسات الكرة.
ما الُكج؟
الكُج تعني النحس. وفي العامية السودانية يقال: "الزول دا كُج"، والمقصود أن هذا الشخص نحس ومنحوس في الوقت ذاته، لذا يتفادى الناس الدخول معه في شراكات أو راهنات، لأنها خاسرة مقدمًا، حسب زعمهم. وغالبًا يُبنى هذا الزعم على تجارب تُحكى بشكل طريف عن المصائب التي واجهت هذا الشخص، وعن النحس أو "الكُج" الذي لاحق مجموعة شراكته في شأن ما، مثل تجارة، أو رهان في الكرة.
لكن، ارتباط "الكُج" بكرة القدم لدى السودانيين، يأخذ بعدًا أكثر طرافة، وغالبًا ما يتعمد الشخص الموصوف بأنه "كُج" التكهن بنتائج المباريات، لاسيما للفريق المنافس لفريقه الأصلي في المباريات الكبيرة، الأفريقية كمثال. وتطور الأمر لدى المشجع "الكُج" بأن بات يطارد مناصري الكرة العالمية بلعناته، إذ يمكنه أن يكتب على منصة "فسيبوك" مثلًا في أمسية مباراة لبرشلونة وليفربول: "النتيجة محسومة.. برشلونة في القمة"! ما يثير حنق مشجعي برشلونة ويرفع من معنويات الفريق الآخر. أما محليًا، في حالة الهلال والمريخ، ناديا القمة، فقد يتم الاعتداء على "الزول الكُج" في حال تجرأ على إلباس نحسه على أحد الفريقين، وقد يوصف وقتها – في تطور جديد – بأنه (باع)، أي قبض ثمن بث "الكج".
وما الباع؟
باع هتاف شهير وأساسي في كل ملاعب كرة القدم في السودان، يطلقه المشجعون في حالات الغضب والسخرية، ويرمون به اللاعبون – خاصة حراس المرمى – ومدربي الفرق، وفي مرات كثيرة يقصدون إدارة النادي بأكملها. يطلق الهتاف في تنغيم واحد متتابع مما يوهم سامعه بأنه تقليد لصوت الخراف، إذ إنك تسمع الجميع في وقت واحد وهم يصيحون: "باااااااع"، ويحدث ذلك غالبًا في نهاية المباراة، وعند المواجهات الحساسة، التي تحدد أي الفرق سيتأهل للكأس أو أي الفرق سيصعد للدوري الأول وأيها سيهبط. ورغم الاتهام الخطير، الذي يحمله الهتاف، إلا أنه في الغالب لا يخرج عن إطار الدعابة ومحاولة إغاظة الجانب الآخر، إلى جانب كونه آلية دفاعية للتنفيس النفسي، لدى جمهور الفريق المهزوم أو الهابط خارج المنافسة. فـ"لاعبونا جيدون، والهزيمة نتجت فقط عن الفساد، والبيع والشراء".
الأنطون كائن ولاعب أساسي في الملاعب السودانية، تؤمن به كل الأندية المنافسة في المباريات المحلية
الأنطون الساحر
بعد إحرازه لهدف أسطوري "مقص"، أصبح قريبي لا يدخل مباراة قبل أن أبارك قدمه اليسرى الذهبية، مشيعًا وسط أقرانه من اللاعبين إنه "يمتلك" أفضل "أنطون" أو ساحر كروي، على مستوى الوطن، أي أنا. ثم حدث ما لم يكن في الحسبان. ففي إحدى المباريات وبعد أن باركت لاعبي المفضل، تعرض لهجوم متوحش من إحدى لاعبي الفريق المنافس، فتحطمت قدمه وكسرت، وأبعدته الإصابة نهائيًا عن الملاعب، ومن حينها صار كلما يلتقيني يقول لي: "يا كُج، كيفك!".
الأنطون كائن ولاعب أساسي في الملاعب السودانية، تؤمن به كل الأندية المنافسة في المباريات المحلية، وتتعمد إدارات الأندية إشاعة استعانتها بـ"أنطون مكرب" له القدرة على حسم المباريات قبل بداياتها لصالح فرقها. وفي التعريف السوداني المحلي لـ"الأنطون" هو "فكي" أو فقير، يستعين بقدراته السحرية في منح الناس – وهنا الأندية – مباركته لتحقيق النجاح والتفوق وجني المال، وبالطبع أغلب "الأنطوانات" ما هم إلا دجالين يعتاشون على بيع الوهم للفرق الرياضية ولمشجعيها وبعض اللاعبين المهووسين بالأسطرة.
قد يكون ابتعاد المنتخب السوداني ونادي الهلال عن الضغط الجماهيري الهائل داخل السودان، عاملًا مهمًا في تأهل الفريقين أفريقيا هذا العام، فالجمهور السوداني متعصب ومهووس بالكرة إلى أبعد الحدود. لكن لابد من إثبات، إن الفريقين حظيا هذه الموسم بإدارة جيدة وبطاقم مدربين ممتاز، إضافة إلى لاعبين طموحين يضعون في بالهم "الزول السوداني"، الذي يعاني الآن أقسى المعاناة، وربما القليل من النجاح الكروي يسعده كثيرًا، ويخرجه من دائرة المآسي والإحباطات المتوالية.
الكلمات المفتاحية

"الكاف" يرفض إقامة مباريات الهلال السوداني والأهلي المصري في ليبيا
رفض الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "الكاف"، طلب نادي الهلال السوداني باعتماد ملعب "شهداء بنينا" في بنغازي لاستضافة مباراة الرد ضد الأهلي المصري، في إياب دوري مجموعة أبطال أفريقيا مطلع نيسان/أبريل 2025.

تقاليد رمضان السودانية.. كيف تصمد في دول المهجر؟
تقاليد رمضان السودانية جزء أصيل من الهوية السودانية، ولا يمكن تصور أن يمر الرمضان على السوداني دون أن يشم رائحة الآبري أو يحضر الرقاق لتناول سحور مميز

"اليقين" زاد السودانيين في الشهر الفضيل
النساء السودانيات عميقات التدين بطبعهن، وكأنهن يرضعن تلك الميزة أمًا عن جدة، محافظات على صلاوتهن وأورادهن وكثيرات الصوم تطوعًا وفي أيام المناسك المتعددة. وأكاد أجزم إن في كل أسرة سودانية تكون المرأة "الأم – الأخت" هي المحفز الأول للصغار على تعلم الصوم، والصبر على الجوع والعطش، لاسيما في أجواء السودان الساخنة.

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.