علي قاقرين.. رحل الرمح الملتهب

توفي صباح الأربعاء، 21 شباط/فبراير 2025، بالعاصمة المصرية القاهرة، رمح الهلال الملتهب وأسطورة الكرة السودانية، حيدر حسن حاج الصديق، المعروف باسم "علي قاقرين"، عقب صراع مع المرض بالمركز الطبي العالمي في العاصمة المصرية. ويعد علي قاقرين أحد أعمدة كرة القدم السودانية، ومن أهم المهاجمين الذين حظوا بشهرة واسعة في الملاعب السودانية وفي أرجاء القارة الأفريقية.

شعبية علي قاقرين تجاوزت حدود الرياضة، حتى فاقت بعض الرؤساء والزعماء، ليبقى اسمه حاضرًا في وجدان الشعب السوداني كأحد أعظم أساطيره

وعمل الدكتور علي قاقرين بوزارة الخارجية السودانية لعقود، حيث تنقل بالعمل في عدد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية منذ العام 1978، حتى بلغ منصب نائب للمندوب الدائم للسودان في الأمم المتحدة في العام 1991. شعبية علي قاقرين تجاوزت حدود الرياضة، حتى فاقت بعض الرؤساء والزعماء، ليبقى اسمه حاضرًا في وجدان الشعب السوداني كأحد أعظم أساطيره.

مولده ونشأته

وُلد حيدر حاج الصديق، المعروف بـ"علي قاقرين"، في العام 1949، ونشأ في حي العرب بأم درمان، حيث تلقى تعليمه بمراحله المختلفة، بدءًا من مدرسة حي العرب الأولية، مرورًا بمدرسة حي العرب الوسطى، وصولًا إلى الأهلية الثانوية. منذ سنواته الأولى، برزت موهبته الكروية، فلفت أنظار كشافي نادي المريخ، لينضم إلى فريق الأشبال هناك لموسم واحد فقط، قبل أن ينتقل إلى الهلال في العام 1966.

قاقرين مع الهلال

كان لقبه "قاقرين" مستمدًا من شقيقه الأكبر جعفر، الذي سبقه إلى الملاعب. وعلى الرغم من بدايته في المريخ، سارعت إدارة نادي الهلال إلى ضمه، ليبدأ مسيرة ذهبية مع النادي. في موسمه الوحيد مع أشبال المريخ، سجل قاقرين ثمانية أهداف في 13 مباراة ودية، لكنه لم يلبث أن انتقل إلى الهلال، حيث وقع رسميًا في تموز/يوليو 1966. بعد أسبوع واحد فقط من انضمامه، خاض أولى مبارياته مع الفريق ضد النيل الخرطومي، وسجل هدفي الفوز، ليبدأ رحلة طويلة من التألق.

خلال مسيرته مع الهلال، حقق قاقرين ثماني بطولات دوري، إلى جانب ثلاثة ألقاب لكأس السودان

على مدار 13 عامًا، ظل قاقرين هدافًا للهلال حتى آخر مباراة له في كانون الأول/ديسمبر 1979، التي واجه فيها فريق بري وسجل خلالها هدفه الوداعي.

خلال مسيرته مع الهلال، حقق قاقرين ثماني بطولات دوري، إلى جانب ثلاثة ألقاب لكأس السودان، ليخلد اسمه كواحد من أساطير الكرة السودانية.

هداف صقور الجديان

لم يقتصر نجاح الرمح الملتهب على نادي الهلال، بل كان أيضًا جزءًا من المنتخب السوداني الذي تُوج ببطولة أمم إفريقيا السابعة عام 1970 في الخرطوم. بدأت رحلة علي قاقرين مع المنتخب الوطني في نيسان/أبريل 1967، عندما خاض أولى مبارياته الدولية ضد نيجيريا على أرضية ملعب الخرطوم. وعلى مدار عقد كامل، كان حاضرًا في كبرى المنافسات، حتى جاءت محطته الأخيرة في تموز/يوليو 1977، حين واجه السودان منتخب ساحل العاج.

طوال مسيرته، ظل قاقرين مثالًا يُحتذى به داخل الملاعب وخارجها.، ولم تقتصر مسيرته على الأندية السودانية، فقد احترف في نادي النصر السعودي واستاد أبيدجان العاجي، كما كان عنصرًا حاسمًا في تتويج السودان ببطولة أمم إفريقيا عام 1970، حيث سجّل أول أهداف المنتخب في تلك البطولة، مؤكدًا دوره كلاعب لا يُنسى.  

مع صقور الجديان، سجّل قاقرين أهدافًا حاسمة رفعت اسم السودان عاليًا

مع صقور الجديان، سجّل قاقرين أهدافًا حاسمة رفعت اسم السودان عاليًا، من بينها أهدافه الشهيرة في كينيا ذهابًا وإيابًا (1-0 في الخرطوم، 2-0 في نيروبي)، وهدفه في تونس، والهدف الأيقوني في شباك مصر الذي ظل محفورًا في الذاكرة.

قاقرين، لم يكن مجرد هدّاف، بل كان مهاجمًا استثنائيًا وصفته الصحف الإفريقية خلال مشاركات السودان في كأس الأمم بأنه "أحد أخطر وأسرع المهاجمين الأفارقة وصولًا إلى الشباك"، وهو ما أكده بأدائه، إذ كان صديقًا دائمًا للمرمى.

قاقرين الأكاديمي الدبلوماسي

رغم انشغاله بكرة القدم، لم يُهمل قاقرين مسيرته الأكاديمية، حيث جمع بين التفوق الأكاديمي والمجد الرياضي في آنٍ واحد، إذ كان طالبًا بالسنة الثالثة في مدرسة أم درمان الأهلية عند انضمامه إلى الهلال، وواصل تعليمه حتى نال الشهادة الثانوية، ثم التحق بمعهد المعلمين العالي، الذي يُعرف اليوم بكلية التربية بجامعة الخرطوم، حيث تخصص في دراسة اللغة الفرنسية.

في عام 1971، شدَّ علي قاقرين الرحال إلى فرنسا، حيث واصل مسيرته الأكاديمية ونال دبلوم تدريس اللغة الفرنسية لغير الناطقين بها. بعد عودته، بدأ العمل في قطاع التعليم، فشغل وظيفة معلم بالمدارس الثانوية، ثم التحق برئاسة وزارة التربية والتعليم قبل أن يتخذ مسارًا جديدًا في عالم الدبلوماسية، حيث انضم إلى وزارة الخارجية.

في وزارة الخارجية، تعددت محطات قاقرين الدبلوماسية، ففي عام 1978، عُيِّن سكرتيرًا ثالثًا بسفارة السودان في ساحل العاج، ثم انتقل للعمل بسفارة البلاد في جمهورية إفريقيا الوسطى. واصل قاقرين تقدمه في السلك الدبلوماسي حتى ارتقى إلى منصب السفير والمفوض الدبلوماسي، حيث مثَّل السودان في الولايات المتحدة، وفرنسا، والجزائر، قبل أن يعود إلى الخرطوم ليتولى منصبًا رفيعًا برئاسة الوزارة.

رحيله في القاهرة

عقب صراع مع المرض، رحل نجم الكرة السودانية علي قاقرين، الذي اشتهر بلقب "الرمح الملتهب"، في 12 شباط/فبراير 2025، بالعاصمة المصرية، القاهرة. وكان قد نقل للمستشفى قبل أيام بعد إصابته بأزمة صحية طارئة وخضع للعلاج حتى وفاته.

مثَّلت مسيرة قاقرين نموذجًا فريدًا للجمع بين الرياضة والعمل الدبلوماسي، حيث تمكن من تحقيق نجاحات لافتة في كلا المجالين

مثَّلت مسيرة قاقرين نموذجًا فريدًا للجمع بين الرياضة والعمل الدبلوماسي، حيث تمكن من تحقيق نجاحات لافتة في كلا المجالين، وصولًا إلى نيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، ليمثل السودان في المحافل الدولية الرياضية والدبلوماسية، ويظل أحد أبرز الشخصيات في تاريخ السودان الرياضي والدبلوماسي، وسيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة السودانيين.