رأي

صفقات سرية وتآكل جهاز الدولة.. أسباب أخرى للحرب في السودان

2 يوليو 2023
برج الاتصالات الخرطوم.jpg
الحرب التي دمرت العاصمة الخرطوم تسببت في أزمات غير مباشرة في الولايات التي لا تشهد اشتباكات نتيجة لتركز الخدمات في العاصمة (Getty)
محمد حلفاويصحفي سوداني

بينما يمكن النظر إلى "الصراع المسلح" في السودان على أنه نتاج غياب "إرادة سياسية منظمة" بعد سقوط نظام البشير في نيسان/أبريل 2019، لكنه يعكس أيضًا في ذات الوقت حالة من غياب "تأسيس" للدولة في الأطراف.

بينما يمكن أن يشغل الفضاء العام "هاشتاق" من وسط العاصمة السودانية حول قضية بعينها، لا يلتفت النظر إلى أوضاع المواطنين في مدينة مثل الدلنج التي تعاني من شح الخدمات الأساسية والأدوية المنقذة للحياة بشكل مستدام في مظهر من مظاهر غياب الدولة عن هذه المدن، والتي تبدو وكأنها "منسية عمدًا".

لم يتمكن أي نظام إداري من إحداث اختراق في البنية الحوكمية للمدن والقرى الواقعة في أطراف السودان

لم يتمكن أي نظام إداري من إحداث اختراق في البنية الحوكمية للمدن والقرى الواقعة في أطراف السودان، وحتى في الوسط وداخل العاصمة يتم إدارة هذا الشأن عبر  جهاز إداري متآكل ومهترئ ويفتقر للكفاءة اللازمة.

من الأمثلة المهمة التي يمكن أن نوردها في المقال أن توزيع السلع بين مناطق الاستيراد والاستهلاك والإنتاج يخضع لقطاع خاص "جشع جدًا" بمعزل عن الرقابة الحكومية الفعالة، أضف الى ذلك إمكانية تقديم "رشاوى" لتمرير سلع والإفلات من دفع الضرائب التي قد تعود إلى الشبكات الاجتماعية وتمويل خدماتها الحيوية مثل التعليم والصحة ومياه الشرب.

أكثر من (200) محلية في السودان أغلبها "أجهزة إيرادية" على تحالف وثيق مع الشرطة المحلية لجمع الضرائب من السكان الفقراء دون العودة إليهم بالخدمات الأساسية، كما أن هذه المحليات في سنوات خلت تحولت إلى "نسخة حكومية" لتمثيل حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، لذلك لا يمكن تصور أن هذه المحليات قد تكون بمعزل عن كوادر حزب البشير حتى الآن.

وكان المأمول أن تتمكن حكومة حمدوك منذ نهاية العام 2019 من وضع تصورات جديدة  لتحويل المحليات إلى أجهزة إدارية فعالة والاستفادة من "رأس المال الاجتماعي" بصرف إيراداتها على خدمات التعليم والصحة ومياه الشرب، لكن الحكومة المدنية لم تفارق صلاحيتها نصوص دستورية كبلتها إلى جانب انهماكها في توفير الخبز الوقود وملاحقة إعفاء الديون الخارجية ومقاومة دعاية مضادة من أنصار البشير، في ظل ضعف معرفي وعملي للأحزاب بالخدمة المدنية والجهاز الإداري للدولة.

https://t.me/ultrasudan

قرى بعيدة ومدن معزولة عن المركز وعن النظام الاقتصادي والسياسي والتنموي يتم إرسال "محليات إيرادية" إلى تلك الأصقاع كملامح للدولة العنيفة والجامعة للضرائب معًا، دون أن "تقدم شيئًا يذكر" للسكان الذين قد يكون أغلبهم منتجين لسلع ضرورية مثل القمح والدخن والذرة والخضروات والبقوليات.

تلك  المناطق والقرى تدير خدماتها عبر شبكات التكافل الاجتماعي مثل الاعتماد على التبرعات وتحويلات المغتربين من أبنائها، وذلك لبناء المدارس وتشييد آبار المياه وإنشاء نقاط صحية دون انتظار الدولة أو حاكم الولاية، والذي قلصت صلاحياته المالية لصالح تركيز الضرائب في المركز بالولاء المطلق من والي الولاية لفعل كل ما في وسعه لتحقيق الضرائب.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الخرطوم لم تحصل على نصيبها كمدينة تقع وسط البلاد إلا بشكل شحيح، لأن الأجهزة الإيرادية متشابهة، وتتكون من غالبية من الموظفين بقدرات عادية لم تكن بحوزتهم "طرق إبداعية" في كيفية تحويل الخدمة الحكومية الإدارية المعنية بخدمات المواطنين إلى "جهاز فعال".

في سلوك يظهر نهم الدولة تعمل المحليات في الوقت الحالي مع توقف خدمات الدفع الإلكتروني للضرائب في ظل النزاع المسلح منذ أكثر من شهرين، حيث عادت  إلى "العصر الحجري" بجمع الضرائب ورسومها المتنوعة عبر "دفاتر مالية" تسلم يدويًا إلى عملاء الضرائب من موظف المحلية.

الموظفون المدنيون ممن يتولون جهاز الإدارة في المحليات يفتقرون للكفاءة ويعملون تحت "ظلال سيوف تسلط عليهم من الدولة"

ربما قامت الأنظمة العسكرية خاصة نظام البشير الذي حكم ثلاثين عامًا بتخفيض تمثيل الجهاز الإداري عبر المحليات للدولة ومظاهرها، هذا بسبب الاعتماد على الأجهزة الأمنية التي ما تزال مؤثرة في كيفية إدارة وتوزيع الخدمات، فالموظفون المدنيون ممن يتولون جهاز الإدارة في المحليات يفتقرون للكفاءة ويعملون تحت "ظلال سيوف تسلط عليهم من الدولة"، إما الاندماج مع منظومة أمنية وعسكرية وسياسية دعائية أو الطرد من الخدمة عبر الانتداب إلى خارج المدن التي تغري الموظفين بالعمل فيها لقربها من مواقع الخدمات والخيارات في وسائل المعيشة.

على العكس من ذلك تلك القرى التي تحمل عشرات الآلاف من النازحين من العاصمة السودانية وهي لا تملك حتى "ماكينة " لصناعة زيت الطعام، وذلك نتيجة لتركز الخدمات والصناعات في العاصمة، وهي من الخيارات التي فضلها المستثمرون لضخامة أسواق الاستهلاك بالعاصمة، إلى جانب الصفقات الميسرة بين المصارف ورجال الأعمال في مدينة مكتظة مثل الخرطوم حيث لا ترى ما يحدث خلف النوافذ والأبواب المغلقة بتلك المكاتب الوثيرة.

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert