"دهماء" الاقتصاد السوداني وفرص نجاح الانتقال
28 نوفمبر 2019
في مُستهل تحليل كارل ماركس لقيمة النقود في كتابه رأس المال يصف الاقتصادي المعروف ريكاردو، وهو من أساتذة الاقتصاد المجايلين لماركس بأنه من دهماء الاقتصاديين، ويستفيض ماركس بعد ذلك في مفهمة شتيمته بأن دهماء الاقتصاد هم قوم تحجبهم النتائج عن رؤية الأسباب الحقيقية للظواهر الاقتصادية، كمثل أن تحاول معالجة ظاهرة التضخم بطباعة العملة، كما في حالتنا السودانية. والسودان مبتلى منذ عصور خلت بهؤلاء الدهماء، منذ فجر استقلالنا واقتصادنا في حالة تدهور مستمر ولم نخرج من طورنا الإنتاجي الأولي، لكن أسوأ الحكومات التي مارست تخريبًا واسعًا على الاقتصاد كانت هي حكومة الإنقاذ بلا منازع. ففي الحقبة الإنقاذية تم الإجهاز بلا رأفة على البنية الصناعية والزراعية والخدمية لمجمل الاقتصاد وتم تبني نموذجٍ كسيح لا يمت حتي للنموذج الرأسمالي القائم على علاته بصلة، ولو جاز لي تسمية ما أحدثه الكيزان باقتصاد البلاد، لسميته الفهلوة والترقيع الاقتصادي.
في حقبة الزبير أحمد الحسن كبير دهماء الاقتصاديين "الكيزان" تمت مواراة سوءة الجنيه السوداني المتضخمة بجعل الألف جنيه سوداني جنيًا واحدًا، بحذف ثلاثة أصفار مرة واحدة
ففي حقبة الزبير أحمد الحسن كبير دهماء الاقتصاديين "الكيزان" تمت مواراة سوءة الجنيه السوداني المتضخمة كما "الكوكة"-وهي ورم كريه يصيب الخصيتين- بجعل الألف جنيه سوداني جنيًا واحدًا بحذف ثلاثة أصفار مرة واحدة. أي والله. بكل بساطة الأشياء هذه، هكذا جادت قريحة الرجل الذي تبارى الكيزان في صدعنا بعبقريته!
اقرأ/ي أيضًا: حظر التجارة على الأجانب.. تركة النظام البائد في قفص الاتهام
يظن أغلب ساستنا وبسطاء الناس في سوداننا أن تحقيق النجاح الاقتصادي يتطلب شهادات وخبرات علمية وعملية عالمية في مؤسسات أجنبية، لكن الواقع يجافي ذلك فمشروع الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لم يحقق شيئًا يذكر من أهدافه المعلنة وأدت سياسة البنك الدولي إلي زيادة إفقار الدول الفقيرة أصلًا، في هاييتي مثلًا أدى تطبيق سياسة البنك وصندوق النقد الدوليين فيها إلى خسارة المزارعين أغلب ماشيتهم، وحالنا في السودان لا يحتاج لسرد.
والدهماء كثيرين في رأيي ولا يقتصرون على رجالات الدولة فقط، بل كل الذين تحجبهم النتائج عن رؤية الأسباب، وهم ذوي الياقات البيضاء من موظفي البنوك الذين أوعزوا لحكوماتنا بإعادة هيكلة اقتصاد كان يملك الكثير من فرص النجاح كالاقتصاد السوداني، والأصح هم من تعاموا عن رؤية هذه الممكنات لشيء في نفس "سميث".
ليس السبب في فقر الدول الفقيرة هو رعاية الدولة لمواطنيها بل السبب هو عدم رعايتهم الرعاية الكافية لكي يسهموا في عملية الإنتاح بفعالية، وتوجد أسباب كثيرة من بينها الدورة الما بعد استعمارية الخبيثة التي علقت فيها الدول النامية عمومًا والدول الإفريقية على وجه الخصوص، والحروب الأهلية أيضًا لعبت دورها. كل هذا يعمي عنه دهماء الاقتصاد.
والتعامي عن كل هذه الأسباب وعن فشل سياسة البنك الدولي ومحاولة تجريب المجرب، لعمري هو ضرب من ضروب الدهمنة الاقتصادية والسياسية، لكن دهماء الاقتصاد ليسوا على غرة وسذاجة دهماء الناس وبساطة تفكيرهم، فمن الواضح حتى "لغير العيان"، أن الولايات المتحدة قد أعدت طبخة هي وأذرعها الاقليمية في المنطقة لتحويل السودان لمستزرع أبقار مخدر برفاه الرأسمالية السام، وكان مهندس هذا المشروع مدير جهاز أمن البشير صلاح قوش الذي أجرى اتصالاته مع القوي السياسية ذات الطبيعة الغير جذرية في تكوينها السياسي كحزب المؤتمر السوداني والأمة لتكون وريثة نظام الإنقاذ وتضمن بذلك غطاءً سياسيًا للعسكر الذين هم علي الدوام حجر الزاوية في المشروع الإمبريالي في عموم المنطقة.
اقرأ/ي أيضًا: على تخوم إمبراطورية السكر.. حلفا الجديدة تواجه الفقر والبطالة والمرض
وتم الاتفاق على توجيه المواكب يوم 6 نيسان/أبريل نحو مباني الجيش بترتيب مع ضباط في الأمن لفتح المسار للمواكب، لتنشأ أكبر مفارقة وهي لحظة انتصار الثورة التي كانت في نفس اللحظة بداية هزيمتها وتحجيمها بمنحها الفرصة للجيش للتغول عليها والاستئثار بها.
سنشهد حقبةً اقتصاديةً وسياسية جديدة بلا شك سيكون فيها قليل من الانفراج الاقتصادي نتيجة لخروج السودان من العزلة الاقتصادية الدولية ودخول رؤوس الأموال الأجنبية لكن هذا الانفتاح ستجني ثماره الرأسمالية المحلية والعالمية لسبب أن عوائد رؤوس الأموال ستنتهي إلى الخارج. فالدولة أوهن من أن تفرض تدوير أرباح الشركات العابرة للقارات داخل السودان. نعم حمدوك رجل اقتصاد زراعي محنك لكن لكي يخلق هذا الرجل نهضةً زراعيةً مستدامة يلزمه أعادة امتلاك حكومي لمؤسسات هامة، وتوزيع للأراضي على أصحاب المصلحة، وهو ما لن يقبل به كفلاء الخليج ومجلسهم العسكري وقبلهم البنك الدولي وصندوق النقد.
إن فرص نجاح أي اقتصاد تكمن في قدرته علي رفع طاقته الإنتاجية وفي ترشيد الصرف على جهازه الإداري، وفي حالة الدولة السودانية نحن مواجهين بهذين التحديين فالناتج المحلي الإجمالي والناتج القومي في أدنى مستوياتها، والجهاز الإداري والأمني بالذات يعانيان من ترهل مهول نسبة لتركيز النظام السابق على بسط سيطرته عبر الأجهزة القمعية.
كان قبول قوى الحرية والتغيير لإدارة الملف الأمني من قبل المكون العسكري من أكبر الأخطاء الإستراتيجية والتنازلات غير المحمودة في الاتفاق
إن استقطاب المنح والقروض أمر ضروري لإسعاف الاقتصاد ومواجهة عجز الموازنة العامة، لكن على المدى الطويل لابد من خلق استدامة تنموية، والتنمية تحتاج لحاضنة سياسية رشيدة وخدمة مدنية فعالة ونظام تعليمي قادر على رفد الدولة والقطاع الخاص بعمالة ماهرة وجيدة التعليم ومواكبة لسوق العمل، وهذا بدوره يتطلب هيكلة للأجهزة الأمنية لتقليل منصرفاتها للحدود الدنيا لتوجييها للنهوض بقطاعات الصحة والتعليم وللمشاريع التنموية ومشروعات البنية التحتية.
كان قبول قوى الحرية والتغيير لإدارة الملف الأمني من قبل المكون العسكري من أكبر الأخطاء الإستراتيجية والتنازلات غير المحمودة في الاتفاق، فليس من المنطق أن نطالب سلطة ما أن تشذب نفسها وتقلل بنود صرفها، لذا وفي ظل وجود هذا الجهاز المترهل والمواجه بتحديات توطين النازحين ودمج قوات الحركات المسلحة، من الصعب أن لم يكن من المستحيل إسعاف اقتصاد يحمل في جسده المريض كل جراثيم الفشل.
اقرأ/ي أيضًا
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.