رأي

خفايا وأسرار "حميدتي" مكانها النيابة العامة

30 مايو 2020
GettyImages-1150584437.jpg
حميدتي (Getty)
وائل محجوب
وائل محجوبكاتب وصحفي من السودان

يحتل الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع منصب الرجل الثاني في المجلس السيادي ضمن هيكل الحكومة الانتقالية، وهو موقعٌ مرموق كان جزءً من اتفاق ووثيقة دستورية، فتحت الباب لها معادلات الثورة السودانية، وتوازنات التفاوض المرتبك وتوازنات القوى بين عنفوان الثورة السلمية، وقوة الجهات المحتكرة للسلاح على مستوى الدولة. وقد لعب موقفه الشخصي وقواته دورًا هامًا في أدق لحظات الثورة حسمًا، حينما قرر عدم التدخل لمصلحة نظام البشير في مواجهة الثوار السلميين، ونأى بقواته عن حمامات الدم التي كان يخطط لها البشير، مما أسهم في إضعاف قدرات النظام وعجّل بسقوطه، فاتحًا الباب لتمدد الثورة ووصول الأجهزة الأمنية والشرطية لمرحلة الإنهاك والانهيار الكامل، حينما زحفت الملايين صوب القيادة العامة في صبيحة السادس من نيسان/أبريل 2019.

ما ورد بالحوار التلفزيوني من معلومات حول القوات التي حاولت التوجه لفض الاعتصام يجب أن تملك للجهات العدلية

بعد ذلك التاريخ وخلال تلك الأيام، جرت وقائعٌ عديدة منها محاولات أولية لفض الاعتصام، بواسطة قوات عسكرية تصدت لها مجموعة من عناصر القوات المسلحة وفق ما هو معلوم وأخمدتها، وبعد أن كان الفريق أول حميدتي يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الميدان ووسط الثوار لموقفه، وقعت أحداث قلبت هذه المعادلة رأسًا على عقب، حيث تكررت حوادث الاعتداء على المتظاهرين في أخريات أيام الاعتصام، قبل أن تقع مجزرة فض الإعتصام، وما سبقها وتلاها من أنشطة قام بها هو شخصيًا وأحاديث ظل يطلقها في تلك الأيام، بدا أنها في إطار المحاولة الانقلابية التي كانت مجزرة الاعتصام واحدةٌ من أدواتها، وترسخ لدى الجميع أن قواته ضالعةٌ فيها ضمن كامل المنظومة العسكرية والأمنية، وكانت الشواهد لا تعد ولا تحصى، منها التواجد الكثيف لقواته عند فض الإعتصام وشهادات الشهود والتسجيلات، وقد كرر أكثر من مرة عقب تلك الأحداث الدامية أن هناك مؤامرة كبيرة قد حدثت داخل قواته، وأن هناك من نصب لها هذا الفخ.

وفي حواره مع قناة سودانية (24) جدد حميدتي إشاراته في هذا الصدد، ممسكًا عن كشف تفاصيل معلوماته حول ما حدث، مشيرًا إلى أنه سيتحدث في الوقت المناسب وبالأدلة، بعد أن تقول لجنة التحقيق التي يرأسها القانوني نبيل أديب كلمتها.

اقرأ/ي أيضًا: من سيغسل أيادي العسكر من دماء شهداء مجزرة القيادة؟

الإفادات التي ظل الفريق أول حميدتي يطلقها منذ وقتٍ طويلٍ تنطوي على قدرٍ عالٍ من الخطورة، فهي تشير لجهات محددة معلوم أنها قد تقدم على أي فعل يحول بينها وبين كشف حقائق أدوارها وجرائمها، وكان المتوقع أنه طالما كانت هذه القضايا التي يتناولها مثل أحداث الهجوم على ميدان الاعتصام منذ السادس من نيسان/أبريل وحتى الـ11 منه والتي سقط عدد من الشهداء نتيجتها قيد التحقيق بواسطة النائب العام، أن يكون هو على رأس من يتم أخذ افادتهم من أعضاء اللجنة الأمنية وقتها، كما أن شهادتهم تعتبر أساسية بطبيعة الحال في قضية فض الاعتصام، والأصح أن يتم التحقيق معهم جميعًا، ويشمل ذلك كل أعضاء اللجنة الأمنية الظاهر منهم والمستتر، باعتبارهم من يملكون القرار والسلطة الأعلى على كل القوات العسكرية والأمنية والشرطية بالدولة.

في لقاء سودانية (24) أشار حميدتي إلى أن قواته أوقفت في منطقة جبرة جنوب الخرطوم يوم 11 نيسان/أبريل 13 دبابة مجهزة عسكريًا و"مذخرة"، تحركت من "سلاح المدرعات"، وكانت في طريقها لفض الاعتصام، مشيرًا إلى أن المجموعة التي كانت تقودها من خارج المنظومة العسكرية، وقال إنهم يعلمون قائدها وطبيعتها، ورافضًا في الوقت ذاته تحديد هويتها ردًا على سؤال محاوره ما إذا كانت تتبع للدفاع الشعبي، ومن المعلوم بالضرورة مع طبيعة الدولة الموازية التي صنعها الرئيس المخلوع عمر البشير وحزبه المحلول عبر المليشيات الحزبية، أن هناك جهات محددة يمكن لأفرادها القيام بهذا النوع من المهمات، ولديها خطوط تتقاطع وصلاتٍ مع المؤسسات العسكرية والأمنية، وبعض قادتها هم جزء من قيادة هذه المؤسسات، وهي عناصر الدفاع الشعبي، ومجموعات الأمن الشعبي، بخلاف الأجهزة الأمنية، وهي إفادة تستلزم استدعاء الفريق أول حميدتي للشهادة والإدلاء بما يعرفه من فوره للسلطات العدلية، وإجلاء الحقائق حول هذه القوات ومن كان وراء هذه العملية، فهي ستقدم أدلة مهمة حول كل ما يقع من هجمات منذ السادس من نيسان/أبريل، وذلك في إطار التحقيقات التي يجريها النائب العام حول هذه القضية.

قضية التلاعب الذي تم بحسب حميدتي حول مزاعم القبض على شقيق المخلوع البشير وهروبه يجب أن يشملها التحقيق الجنائي

في سؤاله حول تفاصيل فض الاعتصام أمسك الرجل عن الإدلاء بإفادات واضحة رغم إشارته مجددًا للمؤامرة، وتصويبه الأنظار للجهات التي حاولت ذلك عدة مرات، غير أنه أشار لواقعة محددة لها صلةٌ بما جرى، وتتعلق بالتضليل الذي مورس حول اعتقال أشقاء البشير "عبدالله والعباس"، بينما كان العباس طليقًا، وسهلت جهاتٌ ما هروبه من البلاد، مشيرًا إلى أن تلك الحادثة ضربت مصداقية المجلس العسكري في وقتٍ مبكر، والإشارات التي وردت في حديثه تشير لصلةٍ ما لهذه الواقعة بما جرى من عمليات هجوم على الاعتصام، رابطًا الواقعة وتفاصيلها بالمؤامرات التي تحاك. وقال إن بعض ممن قاموا بتهريب العباس قد تم اعتقالهم، بينما يتمتع عددٌ منهم بالحرية الكاملة، وطالب بمحاسبة المسؤول الذي أذاع ذلك الخبر، محملًا إياه المسؤولية، وقال إن مكانه السجن. ويتذكر الجميع من أعلن ذلك، وللتذكير نورد هنا تلك الإفادة ومصدرها وما صحبها من ملابساتٍ أجبرت المجلس العسكري ومسؤوليه لإعلان خبر عدم القبض على العباس وهروبه. وفيما يلي ننشر تلك الوقائع، فبتاريخ 17 نيسان/أبريل 2019، وعبر مؤتمرٍ صحفيٍ تم إعلان اعتقال اثنين من أشقاء البشير وتقول تفاصيل الخبر:

"أعلن المجلس العسكري الانتقالي بالسودان اليوم (الأربعاء) اعتقال اثنين من أشقاء الرئيس السوداني المعزول عمر البشير. وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس الفريق ركن شمس الدين كباشي، في مؤتمرٍ صحفيٍ بالخرطوم اليوم إنه تم اعتقال اثنين من أشقاء رأس النظام السابق، هما عبدالله والعباس، وجاري البحث عن البقية الذين يخفون أنفسهم."

اقرأ/ي أيضًا: مغفلو الأبارتايد المفيدون.. أو الكلبية اللاأخلاقية

وقد تفجرت الأحداث لاحقًا، حينما نشر موقع (باج نيوز) خبرًا مفاده أن عبدالله البشير هو الوحيد المعتقل من ضمن أشقاء المخلوع عمر البشير، وأن إدارة السجن منحت إذنًا للعباس للخروج، غادر بعده لخارج البلاد إلى تركيا. وفي ذات اليوم وكرد فعلٍ للخبر الذي أثار ضجةً كبيرة، نقلت قناة العربية تصريحًا خاصًا لمدير سجون السودان فجر من خلاله مفاجأة كبيرة، حيث قال إن العباس لم يهرب من سجن كوبر، لأنه لم يكن بالسجن من الأساس، وهذا هو ما ورد بالخبر:

"نفى مدير عام السجون في السودان، الأحد، إطلاق سراح العباس البشير شقيق الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، لأنه لم يكن موقوفًا أصلًا لديهم. وقال لقناة "العربية" "لم نُطلق سراح العباس شقيق الرئيس المخلوع لأنه لم يأتِ إلينا أصلاً". جاء ذلك بعدما تداولت أنباء عن منح إدارة السجن في الخرطوم إذنًا للعباس البشير، شقيق الرئيس السوداني المعزول عمر البشير بمغادرة المعتقل الذي تواجد فيه لقرابة أسبوعين، حيث سافر بعدها إلى تركيا."

وبعد أن تكشفت الخيوط وأثارت حنق وغضب الرأي العام وقتها، خرج الناطق الرسمي للمجلس العسكري الفريق شمس الدين كباشي مجددًا بتاريخ 14 أيار/مايو 2019 مصرحًا عبر مؤتمرٍ صحفي:

"قال المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الثلاثاء، إنه يعتقل واحدًا فقط من أشقاء الرئيس السابق عمر البشير الخمسة، وليس اثنين، كما كان قد أعلن سابقًا، مشيرًا إلى أن الشقيق الثاني نجح في الفرار إلى تركيا. وقال المتحدث باسم المجلس العسكري، الفريق الركن شمس الدين كباشي، للصحفيين "كنا أعلنا في 17 نيسان/أبريل اعتقال شقيقي الرئيس، عبد الله والعبّاس، لكن المعلومة لم تكن دقيقة: ذاك اليوم تمّ القبض على عبد الله فقط." وأضاف "في اليوم التالي ظهر العبّاس في منطقة حدودية لدولة مجاورة"، مشيرًا إلى أن السلطات السودانية طلبت من هذه الدولة، التي لم يسمّها، تسليمها شقيق البشير لكنها رفضت ذلك، وتابع بعد ذلك جاءت الأخبار أنه في تركيا".

الإفادات التي وردت في حوار الفريق أول محمد حمدان دقلو هي إفاداتٌ خطيرةٌ في مختلف الاتجاهات، وهي تسلط الضوء على مرحلةٍ هامةٍ في مسيرة الثورة، وحجم التضليل والخداع الذي مورس وقتها، وقاد لخلق بلبلة متصلةٍ بسبب إحساسٍ عامٍ بأن المجلس العسكري يلعب دورًا في حماية رموز النظام البائد، بل كشفت تقارير لاحقة عن تورط قادةٍ ومسئولين أمنيين في تسهيل هروب عددٍ من رموز العهد البائد خارج البلاد، وهي قضية لا بد من كشف كامل تفاصيلها بالنظر للمهددات التي يشكلها بعضهم حاليًا.

خطورة إفادات قائد الدعم السريع أنها تؤكد ما ظل يردده الشارع السوداني طويلًا حول تواطؤ عناصر من العسكريين مع النظام البائد

 

بينت إفادات قائد الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، بوضوح أن هناك عناصرٌ تتبع للنظام البائد كانت ولا زالت داخل مواقع أجهزة الحكومة الانتقالية، وسعت لحمايته وتعمل على تعويق أي عمل يتم في اتجاه حسم بقاياه، وهي إفادات لا ينفع التعامل معها بغير تدابير قانونية، لا سيما وأن الأحاديث تأتي من عنصرٍ يحتل مكانه في رأس هياكل الحكم، وشهادته كذلك تأخذ أهميتها من مواقعه النافذة بدوائر صنع القرار والمؤسسات العسكرية والأمنية بالدولة، قبل وبعد سقوط نظام البشير، كما أنها كشفت عن إشكالاتٍ أكبر، وعن أدوارٍ تخريبيةٍ يقوم بها البعض تتجاوز الاستهداف العسكري بمراحل، وتتقاطع مع العلاقات الدبلوماسية وتمتد للتخريب الاقتصادي.

لسنا في موقع التصديق ولا التكذيب، بل المطالبة بالتحقيق الذي يكشف الحقائق، وما يدور على مستوى مهم من مؤسسات السلطة، ومن يقومون بخدمة النظام البائد في دوائرها العليا، لا سيما وان كل هذه المعلومات التي نثرها هي جزء من تحقيقات تقوم بها النيابة العامة ولجان التحقيق.

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert