رأي

جنوب السودان.. جدل الولايات وإشكالية نظام الحكم

2 نوفمبر 2019
ميدل إيست.jpg
سلفا كير وريك مشار (اتفاقية السلام)
ماد قابريال
ماد قابريالكاتب وباحث من جنوب السودان

ثمّة إجماع عام في جنوب السودان على أن قضية الولايات وعددها باتت عقبة كؤود أمام جهود إحلال السلام بالبلاد، نظرًا للتباين الحاد في أمرها، أمّا بقبولها كأمرٍ واقع مثلما تدعو الحكومة أو رفضها كما ترى المعارضة، فأطراف اتفاقية السلام المنشطة لم يستطيعوا تجاوز القضية حتى لحظة كتابة هذه السطور، ومن المستبعد أيضًا توافقهم على الملفات الجوهرية الأخرى كالترتيبات الأمنية ومراكز تجميع قوات المعارضة، تمهيدًا لدمجها مع الجيش الشعبي، وبناء جيش وطني بحسب نصوص الاتفاقية. إلا أن المتابع الحصيف يلاحظ أن أيًا من هذه القضايا لم تبرح قاعات الاجتماعات واللقاءات النخبوية خلف الأبواب الموصدة.

تكشف التجربة خطورة تغييب منظمات المجتمع المدني المستقلة وأصحاب المصلحة من ذوي الضحايا سواء النازحين أو اللاجئين، في عملية صنع السلام

إن زيارة وفد مجلس الأمن الدولي إلى البلاد هذه الأيام، استمرارًا لذات منهاج وساطة الإيقاد، يجب أن تضع في جدولها جند مشاركة أصحاب المصلحة من عموم المواطنين في نقاشات قضايا السلام ومسائله العالقة، مثل نظام الحكم الأمثل للدولة، ليست حاجة ملّحة فقط، بل هي جوهر القضية، والتي لم تناقش بشكلٍ جدي في أي من المنابر العامة منذ إقرار الدستور الانتقالي عام 2011، بمعني أن الصيغة الراهنة لاجتماعات أطراف النزاع والشركاء الإقليميين والدوليين، نسخة مكررة لأخطاء التأسيس، وأعادة إنتاج للأزمات بصور أخرى. فاختزال جذور الصراع بين الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، نهج يشوبه قصور الوساطة وعجزها حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: اتفاقية سلام جنوب السودان.. فرص الشباب والمحاصصة السياسية

فالمواطنين لم يعبروا عن رأيهم في عملية إقرار الدستور الانتقالي، للإجابة عن نظام الحكم لإدارة الدولة، فعدم إتاحة المنابر وحرية التعبير منذ إجازة الدستور عام 2011، وتجربة السنوات الماضية إذًا، تكشف خطورة تغييب منظمات المجتمع المدني المستقلة وأصحاب المصلحة من ذوي الضحايا سواء النازحين أو اللاجئين، في عملية صنع السلام وحفظه، جراء نهج الوساطة الخاطئ في التعامل مع أزمات الدولة، واختلال الأولويات. فأنعدام المشاركة الشعبية في صنع القرارات، أحد عوامل عدم الاستقرار السياسي في بلادنا، ولذلك نطالب بضرورة إشراك هذه الفئات، كي نخرج برؤية سليمة لتجاوز عثرات الفترة الانتقالية المستمرة منذ 2005.

إذ يجب أولًا إخراج قضية الولايات من مناخ الاستقطاب والتسييس، إلى مناخ وجهات نظر الخبراء والمتخصصين، فضلًا عن إشراك المجتمعات المحلية وقوى المجتمع المدني بمؤسساتها المختلفة، فهي كانت طرفًا أساسيًا في التوصل لاتفاقية نيفاشا، فمثل قضة الولايات تحتاج منا إشراك الجميع دونما استثناء، والتباحث حول التصورات المختلفة لإدارة الدولة، سواء لمناقشة الاستمرار بنظام الحكم الاتحادي أو اللجوء إلى النظام الفيدرالي أو غيره، حتى لو تطلب الأمر إقامة مؤتمرات قاعدية عمومية وأخرى حزبية، أمر جدير بالمراهنة عليه، بدلًا عن الحوارات الثنائية بين الحكومة والمعارضة، وهي التي ثبت فشلها مرارًا وتكرارًا، فلم تنجح في الأوقات السابقة، فالحرب الأهلية الآن إحدى تجليات فشل  فرقاء الحركة الشعبية كما هو معلوم، نظرًا لتغييب مؤسسات الوساطة التقليدية.

هناك ضرورة إذًا لإخراج أزمة نظام الحكم في الدولة إلى الفضاء العام، وفتح النقاشات حولها، فخطر تسييسها بات يشكل تهديدًا وجوديًا للدولة نفسها، وتسبب في إضعافها وعدم قدرتها على النمو والتقدم، لينشغل النظام بالبقاء في السلطة، بمعني الانشغال في بتأمين نفسه من السقوط، فيخصّص الموارد والآليات اللازمة لتحقيق هذه الغاية، في ما تقابل المعارضة هذه السياسات برؤى مضادة، وتصبح هموم المواطن وقضاياه بعيدة كل البعد عن انشغالات الفرقاء، وبالتالي سقوط الجميع في مستنقع الفشل والدائرة الشريرة من الحروب واتفاقيات السلام، ثم الحروب الأهلية من جديد، وهكذا دواليك.

اقرأ/ي أيضًا: اتفاق السلام.. هل ينجو جنوب السودان من الفوضى؟

يقول الدكتور دوغلاس جونسون الباحث المتخصص في تاريخنا السياسي، أن الإدارة الاستعمارية البريطانية قامت بتقسيم الجنوب لمراكز إدارية لتسهيل ممارسة السلطات، لذلك لم تهتم بمسألة الحدود وتأثيراتها على حياة القبائل والمجتمعات، بل جل ما سعت إليه هو فرض السيطرة وتحصيل العوائد المالية، عن طريق نظام الحكم غير المباشر(Indirect Rule) في ذلك الوقت، فبالتالي على الوساطة والتنظيمات السياسية إيجاد حلول تناسب متطلبات المرحلة الراهنة، وشروط التنمية للمجتمعات ومراعاة توفر الكادر واللوجيستيات، لممارسة السلطات من المستويات الأدنى إلى الأعلى، دون اختزال قضية بقاء أو إلغاء الولايات، للمناكفة الحزبية وفرص الوظائف التي يحصل عليها عادةً السياسيين واتباعهم، وفق الوزن القبلي أو العشائري. هذا النوع من التفكر الرجعي لن يقودنا إلى الأمام بل سيتسبب في المزيد من التوترات بين المجتمعات، والتي يمكن استغلالها من قبل الساسة في ظل سعيهم إلى السلطة دون برامج أو خطط حقيقة لتسير دفة الحكم.

أي محاولة من قبل أي طرف تعني بكل الأحوال إعادة تكرار سيناريو 2016 و2013

على الوساطة وقادة الأحزاب تجاوز الذاتية والرغائبية الضيقة، بحيث يصبح تنفيذ التطلعات الشعبية في الحرية والعيش الكريم في موضع الأولوية لديهم، ومن ثم يمكن أن يؤدي ذلك إلى التنافس في ظل نظام يحفظ الاختلاف ويحظى بالمشروعية والاحترام داخليًا قبل الآخرين في المحيط الإقليمي أو الدولي. فسوء الأوضاع الاقتصادية والصعوبات التي يواجهها المواطنون داخل البلاد وخارجها بلغت من الصعوبة مكان، لذا فإن أي محاولة مكررة من قبل أي طرف تعني بكل الأحوال إعادة تكرار سيناريو 2016 و2013، وستزيد الأوضاع سوءً وسيدون صاحبها في أضابير التاريخ ضمن مفسدى بناء الدولة.

خلاصة القول؛ من الضروري تجاوز عقبة الولايات وإشراك المجتمعات لإبداء الرأي، حتى يتسنى للمواطنين المُهجرين واللاجئين العودة إلى ديارهم والمساهمة في البناء والتنمية، لمعالجة الاختلالات الهيكلية في الدولة والخروج من نقض العهود والمواثيق.

اقرأ/أيضاً:

حتى لا يسرق شبح الطبقة الوسطى ثورتنا الجذرية
السلام الشامل.. بوابة الخروج من الدائرة الجهنمية

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert