رأي

جنوب السودان.. أزمة اقتصادية وتغييرات شكلية

20 September 2020
GettyImages-1206126178.jpg
كان البنك المركزي قد أعلن الشهر الماضي خلو الخزينة من العملات الصعبة (Getty)
أتيم سايمون
أتيم سايمونصحفي وكاتب من جنوب السودان

درجت السلطات الحكومية للدولة في جنوب السودان، على اتباع طريقة مخاطبة المظاهر والقشور الخارجية للأزمة الاقتصادية التي باتت تواجهها البلاد بصورة متزايدة، عن طريق إجراء تغييرات شكلية، لا تتجاوز إعفاء المسؤولين الحكوميين في الوزارات والمؤسسات الاقتصادية، وتشكيل لجان سياسية استهلاكية لا تساهم إلا في مفاقمة الأوضاع المزرية بسبب صراعات النفوذ والمصالح، والتي غالبًا ما تنتهي دون أن تحقق النتائج المرجوة والمتوقعة، وتلك في تقدير الكثيرين، عبارة عن حلول تخديرية لا تسمن ولا تغني من جوع، فالواقع يحتاج إلى حلول حقيقية تتجاوز التدخلات السياسية التي لا تستمر كثيرًا، فارتفاع أسعار الدولار مقابل الجنيه، وتنامي حالة العجز العام في كل شيء، يعود في الأساس إلى غياب برامج وخطط الإصلاح الحقيقية، وانعدام الإرادة والشجاعة لتنفيذ البنود الواردة في اتفاق السلام، خاصةً تلك التي تتحدث عن المعالجة الهيكلية لتلك الاختلالات التي يعاني الجميع من آثارها بشكل يومي.

إقالة المسؤولين لا تعني أن الظروف والأوضاع الاقتصادية ستتحسن بين يوم وليلة

إن إقالة وزير المالية ومسؤول سلطة الإيرادات الحكومية ومدير الشركة الوطنية للنفط، كما حدث الأسبوع المنصرم، وتعيين أشخاص آخرين في مكانهم، لا يعنى أن الظروف والأوضاع، الاقتصادية ستتحسن بين يوم وليلة، فهو ربما سيقود على المدى القريب لانخفاض طفيف في سعر الدولار بالسوق الموازي، وهذا ربما يستمر لعدة أيام، وسرعان ما ستكتشف اللجنة الحكومية المكلفة بقيادة نائب رئيس الجمهورية للقطاع الاقتصادي، إن الأزمة عادت من جديد وبصورة أكثر فظاعة، فاستبدال المسؤولين دونما وجود سياسات مالية واضحة للدولة هو مصدر الأزمة الاقتصادية الحالية، وهذا يعود لأخطاء مرتبطة بتقدير أولويات الدولة لدى صناع القرار، الذين يرون أن الإنفاق والصرف السياسي هو الضمان الرئيسي للبقاء لأطول فترة في مقاعد الحكم من خلال تفعيل السوق السياسي وتكديس ثروة كبيرة من الزمم المشتراة كاحتياطي سياسي، وإن أدى ذلك لفراغ الخزينة العامة كما أعلن عن ذلك البنك المركزي مؤخرًا، وتلك واحدة من أسباب عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد حاليًا، بسبب المراهنة على التسويات كواحدة من الوسائل المعتمدة لتجديد الشرعية بتكاليف أقل.

اقرأ/ي أيضًا: "مقاومة الخرطوم": سجن المجموعة الفنية استهداف للفاعلين في الثورة

لقد وفرت اتفاقية السلام المنشطة، أرضية صلبة للإصلاح الاقتصادى بالبلاد، مثلما رفعت الحرج عن الحكومة بشكل أساسي باعتبارها تسوية متوافق عليها من قبل جميع الأطراف، علاوة على كونها قد خاطبت بشكل تفصيلي أسباب ومظاهر وتجليات الأزمة الاقتصادية وسبل معالجتها من خلال اعتماد إصلاحات هيكلية تضع حدًا للضعف الإداري والمالي الظاهر في جميع مؤسسات القطاع الاقتصادي بالبلاد، كما تضع معايير صارمة لمحاربة الفساد والمحسوبية ونهب الموارد العامة للدولة، كما تخلص بنود الاتفاق إلى تقديم حزمة من السياسات المنحازة إلى جانب المواطن، تخاطب هموم المعيشة وتؤسس للاستقرار الاقتصادي والسياسي من خلال الاعتماد على الذات وزيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.

اقرأ/ي أيضًا: تخريج قوات حركة عبدالواحد يثير تساؤلات عن تواجدها في دولة مجاورة

لقد مضى عامان على توقيع اتفاق السلام المنشط، والذي انتهى بإعلان تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة، وكان الناس يتوقعون أن تقود تلك التطورات إلى انفراج حقيقي بالبلاد، ينعكس خبزًا وأمنًا وسلامًا على الناس، لكن النتيجة كانت عكسية تمامًا، بسبب انصراف اهتمام الأطراف الموقعة وصراعهم على المقاعد والتمثيل الوزاري واستيعاب أكبر قدر من منسوبيهم في هياكل السلطة في كافة المستويات.

إن أفضل الطرق وأقصرها هو الاعتراف بفشل تلك السياسات والعودة لتنفيذ بنود الإصلاح السياسي الواردة في اتفاق السلام المنشط

إن تخفيف موجة الاستياء وسط المواطنين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وغياب الخدمات الأساسية واستعادة ثقتهم في الحكومة، لا يتم عبر الإجراءات الشكلية المكررة بتغيير الأشخاص بين كل فترة وأخرى، فتلك أساليب أثبتت فشلها طوال العقد المنصرم من عمر الدولة في جنوب السودان بشهادة المواطنين أنفسهم، كما أن انتهاج الحكومة لسياسات السوق السياسي لن تقود للاستقرار كما أثبتت التجربة أيضًا، لذلك فإن أفضل الطرق وأقصرها هو الاعتراف بفشل تلك السياسات والعودة لتنفيذ بنود الإصلاح السياسي الواردة في اتفاق السلام المنشط بلا تردد.

اقرأ/ي أيضًا

التربية والتعليم: جهات تعمل بصورة منظمة لاختراق تأمين الامتحانات

وزير الصناعة: نواجه تحديات كبيرة للسيطرة على الغلاء

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert