رأي

تصدعات فصيل مشار.. أزمة داخلية أم عبث متعمد؟

8 مايو 2020
GettyImages-1202581000.jpg
الرئيس سلفاكير ونائبه الأول ريك مشار (Getty)
أتيم سايمون
أتيم سايمونصحفي وكاتب من جنوب السودان

شهدت المعارضة المسلحة بجنوب السودان، بقيادة ريك مشار الذي شيغل حاليًا منصب نائب رئيس حكومة جنوب السودان، جملةً من الانسلاخات التي لم يسبق لها أن شهدتها في تاريخها، وقد جاءت أيضًا بعد إعلان تكوين الحكومة الاتحادية، حيث بدأت الشهر المنصرم باستقالة أربعة قيادات عسكرية مهمة يتقدمهم نائب رئيس هيئة أركانها القائد جيمس كونغ شول، وبعد أقل من أسبوعين تقدم وزير النفط السابق داك دوب بيشوب، مسئول مكتب ولاية الخرطوم بالمعارضة باستقالته مع عددٍ كبيرٍ من القيادات السياسية والعسكرية، تلتها عددًا من الاستقالات لأعضاء المكاتب السياسية بمكتب القاهرة، واختتمت تلك الموجة باستقالة عددًا من قيادات الجيش، والملفت في المسالة هو أن جميع المنسلخين من المعارضة قد أعلنوا التحاقهم بمعسكر الحكومة تحت قيادة الرئيس سلفا كير.

إذا نظرت للأسباب التي تقدمت بها نفس المجموعات من المعارضة للالتحاق بالحكومة فإنك ستجدها تكاد تكون متكررة حرفيًا

معظم هؤلاء الذين غادروا سفينة مشار كانوا في يوم من الأيام جزءً من ذات الحكومة التي انشقوا منها لعددٍ من الأسباب التي ذكروها، ومن بينها الفشل في إدارة البلاد واستهدافها للمدنيين من إثنية النوير بالعاصمة جوبا عشية اندلاع أحداث القيادة الجنوبية في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2013، متهمين الحكومة وقتها بتبني سياسات عنصرية، وإذا نظرت للأسباب التي تقدمت بها نفس المجموعات من المعارضة للالتحاق بالحكومة فإنك ستجدها تكاد تكون متكررة حرفيًا، وكأنهم احتفظوا ببياناتهم القديمة ليعودوا ويغيروها لتتوافق مع معايير الجهة التي يودون الالتحاق بها وهي الحكومة، وإزاء حالة العبث التي يعيشها جنوب السودان في ملهاة لعبة الكراسي فإن التساؤل الوحيد الذي يطرح نفسه هو؛ أين تكمن المعضلة هنا يا ترى؟ أهي نمطية الشخصية الجنوبية التي انتجتها معاهدات السلام وإرث اتفاقية أديس أبابا؟ أم أن الأمر يعود لغياب الممارسة السياسية السليمة بالبلاد في ظل عدم وجود مؤسسات سياسية واقعية، مما اقتضى استخدام الحيلة كممارسة بديلة وأسلوب للتكيف مع الظرف السياسي الحالي كنمط جديد للحياة وتوفير المعاش اليومي القائم على الولاء للأشخاص، حينما لا تكون هناك منظومة سياسية برامجية فكرية بل أسماء ولافتات عديدة يختار منها المرء ما يحلو له أو يتجول فيها كالموائد ليقم منها أوده.

اقرأ/ي أيضًا: تخصيص نسبة 40% لدارفور من المعادن المستخرجة من الإقليم لـ10 سنوات

قد يرى البعض في الحكومة، إن استقطاب العناصر المهمة من المعارضة وتحويل ولاءها لمعسكره. ضربة كبيرة يلحقها بمعسكر مشار، الذي يعتبر في ذات التوقيت الشريك الرئيسي والأهم في تنفيذ بنود العملية السلمية، لكن الحقيقة التي يجب أن يدركوها وإن كانوا يقومون بذلك كمعاملة سياسية أو صفقة تعود عليهم بأرباح مادية كبيرة ، إلا أنهم يساهمون بافعالهم تلك في تقويض العملية السلمية ويساهمون بشكل مؤثر في إضعاف الشريك الرئيسي الذي لا زالوا ينظرون إليه كخصم ليس إلا، إذ أنه من المتوقع أن يحتج على الخطوة في أي لحظة، وقد يدفع أيضًا بكرت الانسحاب من الحكومة أو الاستقالة حالمًا استمرت تلك الحكومة في ممارسة لعبتها المفضلة والعبث بالمعارضة الرئيسية.

هناك جانب آخر لم تفطن له جماعات الحكومة، والتي من خلال استقطابها للمزيد من قيادات المعارضة السياسية والعسكرية الرفيعة بعد أن قدمت لها وعودًا كبيرة بتعويضها بما هو أفضل بعد اكتمال عملية الشراء، ومن المتوقع إنها كالمعتاد قد عرضت عليهم مناصب رفيعة مقابل القيام بتلك الخطوة وإضعاف معسكر مشار، بغرض إرباك معادلاته السياسية، وقد نسيت تلك المجموعة أيضًا أن صفوف المنتظرين داخل الحكومة من العناصر الموالية لها قد تطاولت أيضا بعد أن تم تقليص عدد الولايات وتقلصت المقاعد الحكومية في المركز والولايات، حيث ذهبت نسبة كبيرة منها لبقية الأطراف الموقعة على اتفاق السلام، فهل تتوقع أن يسكت هؤلاء على خسارتهم للمقاعد على حساب المعارضة؟ علمًا بأن تلك الصفوف تضم أيضًا أشخاصًا أعلنوا ولاءهم للحكومة مقابل المنصب وليس البرنامج أو المشروع السياسي الذي لا وجود له، فهؤلاء لا يحتاجون لأي عملية استقطاب ليهبوا إلى صفوف المعارضة إذا ما عبأت رياح الغضب أشرعة زوارقهم وحركتها نحو معسكر مشار، أو أي مجموعة سياسية أخرى قد تحتاج لقيادات سياسية إضافية، طالما أن لعبة الكراسي هذه لا تزال منحصرة بين فصائل الحركة المنقسمة على نفسها والموزعة على العديد من الحركات المسلحة والجماعات السياسية الأخرى، بما فيها المجموعات التي لا تزال تفاوض على اتفاق سلام مع الحكومة بالعاصمة الإيطالية روما!

في وضعية الحكومة والمعارضة فإن الخطورة الوحيدة التي يمكن أن يتسببا فيها هي تهديد السلام والاستقرار والعودة بنا لدوامة العنف والاقتتال مجددًا لا غير

أجد نفسي متفقًا مع السياسي الجنوبي المخضرم، عضو مجلس أعيان الدينكا، الدو أجو دينق، للمرة الأولى، عندما قام بتحذير الحكومة من أن الاسنلاخات التي تقع داخل معسكر المعارضة وتنتهي بالتحاق المنشقين لمعسكر الحكومة تعتبر مسألة خطيرة ومهددة لعملية السلام برمتها، مطالبًا الحكومة بعدم استقبالهم، لكنه كشخص ظل يؤمن باستمرار بنظرية المؤامرة ولا يستبعد أن تكون الخطوة تكتيكًا جديدًا من مشار ليخترق به صفوف الحكومة، وهو أمر مثير للضحك، فالحديث عن الاختراق يحدث دائمًا للمؤسسات ذات التوجه الآيديولوجي التنظيمي الذي يشكل خطورة على الطرف الآخر، لكن في وضعية الحكومة والمعارضة فإن الخطورة الوحيدة التي يمكن أن يتسببا فيها هي تهديد السلام والاستقرار والعودة بنا لدوامة العنف والاقتتال مجددًا لا غير.

اقرأ/ي أيضًا

الترويكا تقترح اكتفاء الحكومة بثلثي التشريعي واستبقاء الثلث للحركات المسلحة

المناضل إدوارد لينو: وأغمض النسر جفنيه "مشبعًا بالرضى"

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert