الله يرحم أيام "البنقو"..
6 نوفمبر 2015
الصياد الذي تقمص هيئة الأب المشفق كان يراقب السفينة وهي ترسو في ميناء السودان الرئيسي، وعلى متنها خمس حاويات مخدرات. قال الصياد بصوت حزين: "الله يرحم أيام البنقو"! لم تكن تلك العبارة محض "نوستالجيا"، كانت على ما يبدو محاولة للمقارنة بين حاويات "الهيروين" التي تفتك بالشباب، و"البنقو" الذي كان خطره محدوداً في السابق، ولا يحظى بالرواج الواسع للمخدرات هذه الأيام.
يقول الخبر الذي احتفت به صحف الخرطوم إن السلطات السودانية ضبطت حاوية ثانية بداخلها 645 كيلو جرامًا من "الحشيش" المركز، وتقدر قيمتها بحوالي 20 مليون دولار. ولو عدنا بالذاكرة للوراء قليلاً، ففي فبراير/شباط من العام الماضي، أفرغت إحدى البواخر شحنة كبيرة من المخدرات في ميناء "بورت سودان"، وكانت المخدرات معبأة في خمس حاويات من الأصناف المختلفة، أي ما يفوق 13 مليون حبة من مادة "الكبتاجون" المعروفة محلياً بـ "أبو هلالين"، وتم إلقاء القبض على 7 متهمين انعقدت لهم محاكمة بالطبع، وبرأتهم فيما بعد لعدم كفاية الأدلة، إذاً ثمة متهم مجهول في الشحنة الأولى والثانية، أو بالأحرى لا تزال طليقة تلك العصابة التي تريد أن تجعل من السودان سوقاً كبيراً للمخدرات.
المثير في الأمر أن مفعول الخبر انتهى مثل فقاعة الصابون، فلا اهتز له الضمير الوطني، ولا عقد البرلمان جلسة خاصة، ولا حتى المساجد، التي تنفجر عادة في وجوه الشباب، فلم يغض مضجعها هذا الغزو "الهيرويني" بل تجاهلته تماماً وحسبته قضاءً وقدرًا، كأنه حادث سير. أما الجهات الرسمية، فقد اعتبرت حجز الحاويات والإعلان عنها إنجازًا يحسب لشرطة الجمارك، والأخيرة كانت الصحف قد نشرت قبل أيام أرقامًا مليارية عن فسادها، مما يوحي، بأن الضجة كلها مقصود بها منسح آثار فساد الجمارك، بحادثة أخرى، تغطي على الخيبات الصغيرة.
من فرط التصالح مع كون السودان يمتص كل هذه الكميات مع الهيروين، يخيل لك أن الإدمان أصبح حالة عامة
من فرط التصالح مع كون السودان يمتص كل هذه الكميات مع الهيروين، يخيل لك أن الإدمان أصبح حالة عامة، وأن الاستثناء أن ترفع صوتك وتصرخ "لا للمخدرات"، فالعاصمة الخرطوم تستهلك وحدها 65 في المئة من إجمالي المخدرات التى تدخل البلاد، وتشتهر أنواع مختلفة من المخدرات في الشارع السوداني، منها "البنقو والحشيش والقات والشاشمندي" بجانب أنواع حديثة، هي الكوكايين والهيروين، والخرشة، وهي أشد خطرًا، وأضحت تمثل عبئاً نفسياً، وهاجسًا يدمر الصحة العقلية للشباب، ومع ذلك تنتشر النكت التي تحتفي "بالمساطيل"، أصحاب الخيال الواسع والحياة المخملية، في زمن طارد ومؤلم ومحفز للهروب.
دون شك، فقد تطورت الحياة بشكل ملحوظ، وأنتقل الإدمان من البيوت الفقيرة إلى بيوت الأثرياء، ومن سوق صغير في الأحياء النائية إلى عصابات عابرة للحدود، تحظى برعاية رجال بربطات عنق فاخرة، يعرفون كيف يدخلون بضائعهم بسهولة، ويحطمون الحواجز الأمنية، ويلاعبون الكبار في الدولة، وما هو أبشع من ذلك أن ثمة مصانع للخمور والمخدرات بالداخل، تعمل تحت أيادي أجنبية، كما تسميها الشرطة. تلك المصانع بالضرورة لها امتدادات مجهولة، وتشير إلى أن السودان انتقل من مرحلة الإستيراد إلى التصنيع، وربما يصل بعيد الاكتفاء وإغراق الأسواق المحلية إلى التصدير، مما يفرض واقعاً جديداً بالضرورة، يحتاج إلى فطنة أكبر للتعامل معه.
ثمة أسئلة عطشى في الخاطر، وهي كيف يتأتى لشركة مستوردة أن تفكر في إدخال حاويات ممتلئة بـ"الهيروين" عبر الميناء الرئيسي، ومن أين لها هذه الجرأة ومن يقف خلفها؟ بالطبع لا توجد إجابة متاحة إذ أن المجرم لا يزال طليقاً. ولكن من يفكر صراحة في إدخال شحنة مخدرات ويعرف حجم الإجراءات المتبعة، لا بد أن يكون متعودًا على ذلك، أو أن أياد تعينه بمقابل، فإذ لم يكن مطمئنًا، لا يستطيع أن يستسهل أجهزة الفحص وحشود الموظفين وضباط الجمارك.
ويمكن أن نستنتج أيضًا أن شحنات مخدرات أخرى عبرت بسلام، من ذات العصابة المستوردة، أو من شركة أخرى، والمضحك أكثر أن الحكومة تردد بين يدي كل غزوة مخدرات، أن السودان ليس سوقًا للتوزيع، ولكنه فقط منطقة عبور وتخزين، وهنا يصبح للفجيعة طعم ولون آخر.
انتقل السودان من مرحلة استيراد المخدرات إلى التصنيع
المريب في الأمر هو وجود شركة في الخرطوم تسمى "الحلول المتكاملة"، رشح أنها مسؤولة عن الحاويات الأولى، وتم إدخال الحاوية الأخيرة عبر خط نقل شركة الملاحة العربية المتحدة، كما أن الشحنة الأخيرة مخبأة داخل ثلاجات "من نوع ديب فريزر"، مما يوحي بأيادي، متعودة دائماً، تحاول ممارسة الخداع، ويمتد الخوف أكثر من ذلك في ظل تنامي الصمت الرسمي.
ولربما نستفيق ذات يوم إزاء هذا التعايش والتصالح مع الإدمان، ونتفاجؤ بإعلان تلفزيوني يروج للمخدرات، فتاة تنتصب على حافة "الحاوية" فارعة الطول والبهاء، تنسحب الحاوية من فوق ظهر موجة إلى الضفة المالحة في البحر، "التشيلو" يصدر صوتاً مشوباً بالخدر، تتقدم الفتاة نحو جموع الصفوف وتذوّب "الهيروين" في أنوفهم كأنه دم المسيح، هنا يصيح المخرج بنشوى عارمة "إقطع".
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.