الدولة السودانية وماراثون الدستور
11 أكتوبر 2021
شهد الشعب السوداني، منذ فجر الاستقلال في خمسينات القرن الماضي ثمانية دساتير، بتعاقب النظم السياسية المستمر، ما بين حكم شمولي وآخر ديمقراطي، ولم يعرف السودانيون للدستور الدائم معنىً؛ لأن عمليات وضع الدستور نفسها جانبها الصواب، ولم تؤسس على مبدأ المشاركة الشعبية التي تكفل للمواطن دورًا في وضع الدستور ومن ثم الاعتراف به واحترامه واتخاذه مرجعية لإدارة الصراع مع الدولة وبين الأفراد في المجتمع الواحد.
القانون الذي أعلنت عنه وزارة العدل- وبرغم التحفظات التي طرحها عدد من الخبراء حوله، إلا أنه اعتمد على مبدأ جديد على التجارب السودانية في صياغة الدساتير، وهو مبدأ صناعة الدستور
ويقع الدستور في قمة هرم الضبط القانوني للدولة وتتبعه الالتزامات الدولية، القانون والأنظمة واللوائح المنظمة لها، كضامن أساسي لسيادة حكم القانون ووقوف الناس سواسية أمام منهج العدالة العام، وهو مجموع القواعد المؤسسة لسلطة الدولة والمنظمة لعمل مؤسساتها المختلفة، ويمثل القاعدة التي تجمع الناس بتنوعها واختلاف لغاتهم و معتقداتهم وألوانهم السياسية ليؤسس لنظام حُكم واضح ومستمر، يقوم على أساس الحقوق والواجبات.
اقرأ/ي أيضًا: خبراء قانونيون: مسودة قانون صناعة الدستور تتطلب مراجعات
وهذا المبدأ؛ أي سمو الدستور على ما عداه من قوانين، لا يسود إلا في الأنظمة الديمقراطية ولا وجود له في الأنظمة الديكتاتورية، التي لا يعترف الحكام فيها بالدساتير ولا بغيرها من القوانين؛ فجميع أعمالهم تقوم على السيطرة والاستبداد والقوة. وانطلاقًا من ذلك، فإنَّ القواعد الدستورية تعدّ السند الشرعي لتحديد نظام الحكم و ممارسة السلطات العامة في الدولة لاختصاصاتها، وهكذا فالسُلطة لا توجد إلا بالدستور ولا تظهر إلا بالقدر الذي يحدده وينظّمه الدستور.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة العدل فراغها من عمليات المشاورات الأولية، وإصدارها لمسودة قانون صناعة دستور السودان للعام 2021، لتعيد بذلك فتح باب التفاؤل والتساؤل في ذات الوقت: هل يحظى السودان بعد خراب دستوري طويل، بدستور دائم يُعيد الدولة إلى منصة التأسيس ويرسخ فيها قيم الحرية والديمقراطية والتنمية باختلاف الأنظمة الحاكمة؟
القانون الذي أعلنت عنه وزارة العدل- وبرغم التحفظات التي طرحها عدد من الخبراء حوله، إلا أنه اعتمد على مبدأ جديد على التجارب السودانية في صياغة الدساتير، وهو مبدأ صناعة الدستور؛ والذي يعني التركيز على المشاورات الشعبية والعمل من قاعدة الهرم إلى قمته باستقصاء آراء المواطنين في القضايا التأسيسية الخلافية للدولة، والاعتماد على نتائج هذه المداولات أساسًا لوضع مسودة الدستور، عبر استفتاء شعبي، ومن ثم طرحة على جمعية تأسيسية مُنتخبة، لتُجيزه بشكل نهائي دون تعديل.
ولعل عملية صناعة الدستور، بدورها تخلص إلى جملة من الأهداف التي تتضمن البحث عن الاستقرار السياسي للمجتمع وتمكين المواطن من متابعة وتقييم أداء مؤسسات الدولة بصورة ديمقراطية شفافة، فضلًا عن إحداث توازن في العلاقات بين مختلف السلطات الدستورية بما ينعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وجوانبها.
ورغم الإعجاب بتبني الحكومة لأول مرة، لمبدأ المشاورة الشعبية فيما يسمى بعملية صناعة الدستور، إلا أنني لاعتقادي بأن الشيطان يكمُن في التفاصيل، أرى أن أي حديث حول قانون صناعة لصناعة الدستور، يجب ألا يتجاهل مُجمل الثغرات التي طرحها الخبراء في عدة ورش عقدتها منظمات مجتمع مدني، وأن توسع قاعدة التشاور–عن حق- باستصحاب أصحاب المصلحة الفاعلين والمؤثرين، والمستقلين عن دوائر السلطة ورأس مالها السياسي.
وأبرز هذه التحديات هي الظرف السياسي الحرج للبلاد، وتحديات السلام، والنزاع ذو الطابع القبلي، فضلًا عن الظرف الاقتصادي الخانِق، بينما تتحدث مسودة قانون صناعة الدستور عن إفراد مساحات واسعة للمشاورة الشعبية مُتجاهلًا الظرف الموضوعي؛ وحالة الهشاشة التي تعيشها الدولة السودانية واستمرار الحروب في بعض مناطقها.
اقرأ/ي أيضًا: مواكب سبتمبر والعزم على تحقيق شعارات الثورة
وتُلازم تحديات صناعة الدستور، الورثة المُثقلة بالغبن والتحديات، التي خلفتها سياسات النظام البائد وما سبقته من أنظمة سياسية مُنحازة، قادت لانحدار الوطن إلى أتون العنف والاحتراب والتمزق. لن يتجاوز صراع الذاكرة ضد النسيان، فقدان السوداني لجزء أصيل من شعبه وأرضه، بفعل السياسات الخرِبة التي قادت لانفصال جنوب السودان.
جوهر العملية ونجاحها يعتمد على ارتباطها اللصيق بالناس وهمومهم، ورغباتهم الذاتية في إعادة تعريف الدولة السودانية وفق أسس جديدة، تُراعي التباين الواسع بين مكونات المجتمع ومصالحهم
لذلك فإن تجذير مفهوم صناعة الدستور وتحويله لواقع مُعاش اليوم، يتطلب مجموعة من التدخلات، التي تجعل من هذا القانون مشروعًا وطنيًا يؤسس لعملية صناعة دستور حقيقة وراسخة؛ لأن جوهر العملية ونجاحها يعتمد على ارتباطها اللصيق بالناس وهمومهم، ورغباتهم الذاتية في إعادة تعريف الدولة السودانية وفق أسس جديدة، تُراعي التباين الواسع بين مكونات المجتمع ومصالحهم، وتحويله إلى تنوع خلاق.
اقرأ/ي أيضًا
الدروس السيئة للثورة السودانية
تنفيذ الوثيقة الدستورية في السودان.. خطوة في طريق الدولة المدنية
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.