رأي

الحرية والتغيير.. حاضنة أم حارقة سياسية

5 نوفمبر 2020
GOv.jpg
وزراء الحكومة الانتقالية يؤدون القسم - أرشيفية (Getty)
موسى حامد
موسى حامدصحفي من السودان

الصفة الدارجة لتحالف الحرية والتغيير، منذ تكوين الحكومة الانتقالية، أنها الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية. وبهذا الاسم أنها بمثابة الداعم، والمساند للحكومة الانتقالية. وهي المدافع عنها بالرأي والمشورة والبرنامج. على اعتبار أصيل وأوحد وهو أنها الجهة التي أتت بالحكومة ورشّحت التنفيذيين فيها، وبالتالي يُتوقّع أنْ تجد منها كامل الدعم، وتوفير الحضن السياسي. المفارقة المدهشة والمحيّرة في آنٍ واحد، أنّ العديد من المواقف وتصريحات لقيادات في التحالف ولبعض الأحزاب المكوّنة لتحالف الحرية والتغيير، تُحسب في خانة المعارضة للحكومة، للدرجة التي يُمكن تحويل الاسم الدارج للحرية والتغيير من الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، إلى "الحارقة" السياسية. فما الذي حدث؟ ولماذا؟

يُمكن إيراد العديد من النماذج التي تحوّلتْ فيها الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية إلى الحارقة لها وإلى المعارضة لسياساتها

قبل الإجابة على هذين السؤالين، يُمكن إيراد العديد من النماذج التي تحوّلتْ فيها الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية إلى الحارقة لها وإلى المعارضة لسياساتها. وكأنّها ليست التحالف الذي أتى بالحكومة ورشّح الوزراء فيها بدءًا من رئيس الوزراء لقيادة الفترة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا: تطبيع السودان أم الدعم السريع؟

ولنبدأ أولًا بالموازنة العامة التي أجازتها الحكومة الانتقالية في آب/أغسطس الماضي عبر المجلس التشريعي المؤقت الذي يضم المجلس السيادي ومجلس الوزراء. مباشرةً صدرتْ تصريحات من اللجنة الاقتصادية التابعة لتحالف الحرية والتغيير ترفض فيها إجازة الموازنة، بل ووصفت الموازنة بالكارثية على الاقتصاد السوداني، وطالبتْ في الوقت نفسه الحكومة بالتراجع عنها. بل وصف أحد أعضاء اللجنة الاقتصادية وهو التجاني حسين، الموازنة أنها اشتملت على أخطاء وتزييف متعمّد في المعلومات بغرض تمرير سياسياتٍ بعينها.

آخر تطورات الأمر، ما صدر من بيان للجنة الاقتصادية للحرية والتغيير قبل يومين، حيث قالت بأنّها لا ترى أي حل سوى في انتزاع الملف الاقتصادي من الحكومة الانتقالية، بسبب تطبيقها ما أسمته بـ"السياسات الاقتصادية الفاشلة". وعليه يجب تسليم ملف الاقتصاد لها كي تُطبّق برنامجها الوطني "للخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة، ومعالجة الأوضاع المعيشية للشعب، وتحريك وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي والتعديني، وزيادة الصادرات، والانطلاق لإعادة بناء اقتصادنا الوطني"، كما جاء في البيان.

وليس بعيدًا عن ردود الحارقة السياسية للحكومة الانتقالية، ما حدث في ملفات كثيرة أخرى، مثل تعيين ولاة الولايات، وما أعقبه من ردود أفعالٍ من أحزاب سياسية مؤثرة في الحرية والتغيير، كحالة حزب الأمة الذي لم يقبل بالأمر، وبلغ به الأمر توجيه مرشحيه بعدم قبول تعيينهم.

ويصلح هنا أيضًا للاستدلال على الحريق والإحراق المستمر الذي تُشعله الحرية والتغيير في ثياب الحكومة الانتقالية، والتي كان الأحرى بها دعمها ومساندتها، ما حدث في مفاوضات السلام وجولاته الممتدة لعامٍ كامل. حيث تمّ توجيه سياط الحريق القاسية من مكونات الحرية والتغيير لما أقدمتْ عليه الحكومة الانتقالية في ملف السلام، متمثّلة في بيانات تجمع المهنيين السودانيين، الذراع المؤثر في ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018. والأمر ينطبق على الحزب الشيوعي، الذي طالب بالتراجع عن ما تمّ من اتفاق، واصفًا ما حدث بالمحاصصات السياسية المضرّة بالوطن. الحزب الشيوعي قال بأنّ السلام تمّ لأنّ هناك أطراف تُريد الحفاظ على مصالح اقتصادية مشتركة.

اقرأ/ي أيضًا: إثيوبيا.. مرجلٌ يغلي

لم يقف الحزب الشيوعي، عند رفضه لاتفاق السلام، الذي تمّ التوقيع عليه في الثالث من تشرن الأول/أكتوبر الماضي، قاطعًا بأنّه لن يُحقق السلام المنشود، بل توقّع أن يخلق "توترات ونزاعات جديدة بين سكان مناطق الحروب، وكذلك سكان المناطق الأخرى في السودان، التي أُدرجت قضاياها ضمن قائمة مسارات منبر جوبا".

تحول العديد من مكوّنات الحرية والتغيير إلى سلوكيات وأدوات المعارض للحكومة

تحول العديد من مكوّنات الحرية والتغيير إلى سلوكيات وأدوات المعارض للحكومة، بدلًا من أنْ تكون داعمًا لها؛ يتجلى في المظاهرات التي تُسيّر تلو المظاهرات، وهي مظاهرات تبدو في ظاهرها محرّضًا للحكومة على استكمال هياكل السلطة، لكنها في الأصل تتقاطع مع كل المواقف المعارضة لها. بل وفي أحايين كثيرة ترفع شعارات قاسية ضد الطريقة التي تُدير بها الحكومة الدولة.

وتنطرحُ جملةٌ من الأسئلة هنا: إلى أي مدى لعبت قوى الحرية والتغيير نفسها الدور الأكبر في أنْ تكون خارج اللعبة السياسية في الفترة الانتقالية في الوقت الذي كان عليها أنْ تكون هي صاحبة الدور الأساس والكلمة الأولى؟ ربما هذا الأمر له علاقة واضحة ومباشرة بالمواقف غاية في التضارب التي تصدر من قيادات في الحرية والتغيير، وفي الاتهامات التي تتبادلها فيما بينها. وكذا في سعي أي واحدةٍ من هذه الكيانات الممثلة للحرية والتغيير في البحث عن مكاسب خاصة بها، وفي ظنها أنّ ذلك ما يؤهلها للعب دور كبير في الفترة الانتقالية، ويزيد من حظوظها مستقبلًا عندما تنصرم الفترة الانتقالية، ويذهب الناس إلى الانتخابات. ناسيةً أمرًا أساسيًا، وهو أنّ نجاح واستقرار الفترة الانتقالية، هو الطريق الأوحد للانتخابات، وليس غيره.

لكن في المقابل، فإنّ الخلافات في الرؤى والمواقف بين قوى الثورة، "الحرية والتغيير"، ابتدأت منذ الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام عمر البشير، ولنضرب مثال لذلك، بالوفد الذي ذهب للقيادة العامة لمقابلة المجلس العسكري الانتقالي. وما تزال تلك الخلافات في الرؤى والتجاذبات في المواقف مستمرة إلى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد مواكب 21 أكتوبر؟

وعليه، فإنّ المتوقع اعتمادًا على الظروف الجديدة في المشهد السياسي السوداني عقب التوقيع على اتفاق السلام في جوبا، في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وكذا الخلافات التي نشبتْ بخصوص إدارة الحكومة لملفات السلام، الاقتصاد، والعلاقات الخارجية، أن تنشأ تحالفات جديدة داخل قوى الحرية والتغيير نفسها. ولا شك أنّ نتيجتها ستكون اصطفافًا جديدًا وتمايزًا للصفوف على أساس الموقف الحزبي والآيديولجي من القضايا الثلاث: السلام، الاقتصاد والتطبيع مع إسرائيل.

هذا التمايز وإعادة التشكيل مجددًا في تحالف الحرية والتغيير، من شأنه أنْ يوحّد عددًا من مكونات الحرية والتغيير خلف الحكومة الانتقالي

هذا التمايز وإعادة التشكيل مجددًا في تحالف الحرية والتغيير، من شأنه أنْ يوحّد عددًا من مكونات الحرية والتغيير خلف الحكومة الانتقالية، في دعمها ومساندتها في مواقفها، وتقليل أعداد الحرائق التي ظلتْ تُشعلها بعض مكونات الحرية والتغيير، وتحوّلها إلى "حارقة سياسية"، بدلًا من أنْ تكون "حاضنة سياسية".

اقرأ/ي أيضًا

السلام وديمقراطية لوردات الحرب!

وكسب السودان سيادته!

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert