رأي

"اغتصاب الزوجة".. شرعنة العنف الجنسي في السودان

8 مايو 2018
1_56.jpg
لا يوجد اهتمام لقضايا الاغتصاب الجنسي للزوجات في السودان من باب "العيب" الاجتماعي! (فيسبوك)
عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازقكاتب وصحفي من السودان

بقدر ما إن سيرة الاغتصاب عمومًا أصبحت مادة مسيطرة على الصحف السودانية، وتحديدًا اغتصاب الأطفال، الذي يثير من الهلع ما يمكن أن تثيره الزوابع الرعدية. إلا أنه لم يحدث قط أن أُثيرت قضية اغتصاب الزوجات على نطاق واسع، أو بالأحرى تبدو وكأنها شكوى من ممارسة مشروعة وعادية داخل الغرف المغلقة.

في حين أن حوادث الاغتصاب باتت مادة مسيطرة على الصحافة السودانية، إلا أن اغتصاب الزوجات هو أمر لا يقابل بأي اهتمام مطلقًا

صحيح أنه ما من إحصائية يمكن أن تثير غضبًا هائلًا حول الاغتصاب الجنسي للزوجات في السودان، ولا حتى تعريفًا له، ولا يوجد بالمرة اهتمام من قبل من المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني المشغولة بمكافحة العنف ضد المرأة، لكون التوغل في تلك القضايا، محض "ترف ثقافي"، أو بتعبير آخر: تدخل في خصوصيات لا ينبغى لها أن تغادر فراش الزوجية، والذي يتحصن بشعور من الخجل والعفة؛ ولذلك تلتزم أغلب الزوجات معنى قريب من المقولة الأمريكية الإشكالية الرائجة: "إذا تعرضت للاغتصاب ولم تستطع المقاومة فما عليك سوى الاستمتاع"!

اقرأ/ي أيضًا: هل يمكن أن يغتصب الزوج زوجته؟

الأسبوع الماضي، نشرت عدة مواقع سودانية، خبرًا عن عروس أنهت حياة زوجها طعنًا بالسكين، لأنه حاول اغتصابها! يقول الخبر إن العروسين استأجرا شقة بمدينة في العاصمة الخرطوم لقضاء شهر العسل، كما أن العروس استغلت نوم زوجها وباغتته بطعنة قاتلة وأنهت حياته، قبل أن تخطر ذويها بالجريمة، فأسرعوا وتوصلوا إليها ومن ثم سلموها إلى قسم الشرطة للتحقيق معها.

التحريات فيما بعد توصلت إلى أن العروس أقدمت على قتل زوجها نسبة لعدم قبولها بالزواج منه، وفي رواية أخرى لأنه حاول أن يقترب منها دونما مرة، ويمارس حياته الجنسية، بالحلال طبعًا!

كانت تلك الحادثة بمثابة دق ناقوس الخطر، فهى بالطبع ليست الأولى، ولكنها تزامنت مع عصف ذهني وبعض الوعي المجتمعي، والذي تجاوز حدود المحاكمة العلنية وتعنيف الزوجة، إلى إدارة نقاش واعٍ ومستفيض حول طبيعة الجريمة ودوافعها، وأيقظ الأصوات النسوية النائمة، والمتضامنين معها من جمهرة الحقوقيين والمثقفين، بقصد تكييف القضية في إطارها الصحيح، ووجدت العروس القاتلة من يتعاطف معها، لكونها ضحية في نهاية الأمر، حاولت أن تنهي مسلسل معاناتها بالطعنة الأخيرة .

ما يهم في ذلك الخبر، أنه مجرد حالة معملية، استوقفت العشرات ليعيدوا التفكير فيها، لا كأي جريمة قتل يسهل تحتها وضع عبارة "الجريمة لا تفيد"، وإنما من جوانب أخرى؛ أهمها بالطبع منح المرأة حق القبول والرفض، في الزواج، وهنا أعني بالتحديد ما أثير إزاء زواج التراضي في جلسات الحوار الوطني الذي تشكلت بموجبه الحكومة الحالية، والذي خلق حالة من الجدل بلا معنى، ووقف ضده بعض رجال الدين والسياسة، وذلك بعد أن أحالت رئاسة الجمهورية للبرلمان ملحق تعديلات على الدستور الانتقالي 2005، متعلقة بقضايا الحريات، وﺷﻤﻠﺖ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍلأﺳﺮﺓ ﻭﺍﻟﻄﻼﻕ.

وأثناء مداولات تلك الاجتراحات الدستورية، تكوّن جدارٌ فقهي رافض لها، حتى أن الحزب الحاكم صاحب الأغلبية في المجلس التشريعي لم يجد بُدًا من مسايرة الآراء الرافضة للتراضي، فهو كالعادة لا يريد أن يخسر رجال الدين والقبيلة وحُراس الفضيلة وسدنة المجتمع المحافظ.

يقف الوصاة على المجتمع السوداني ضد زواج التراضي، مؤازرين للولاية المطلقة للأب أو الأهل على ابنتهم، دون حقها في الرفض

وهؤلاء جميعًا وقفوا ضد زواج التراضي باعتبار أنه مناقض للشرع ويسفه رأي الأب الذي يعرف مصلحة بناته أكثر منهن! وكانت رؤيتهم سطحية جدًا، تحاول أن تعيد الحق إلى ولي الأمر.. كل الحق، حتى لو أدى ذلك إلى فرض خياراته على بناته، فيختار له لهن الأزواج، على النحو الذي يسره، ويحقق ما يعتقده طمأنية على مستقبلهن، أي البنات المُرغمات على الزواج .

اقرأ/ي أيضًا: ثورة السعوديات: "لا للولاية"!

كثيرًا ما يحدث ذلك، أن تنتهي الزيجات التي فرضها ولاة الأمور بمنطق الولاية على الأنثى الضعيفة؛ إلى الطلاق. وكثير من العلاقات الزوجية تتعايش مع أزمات أوجدها عدم التوافق وفرض الزوج بالقوة. وفي نهاية الأمر، ينتهي الرباط إلى محاكم الأسرة، أو إلى ثلاجات المشرحة، كحال العريس المغدور.

يمكن بسهولة تخيل دوافع تلك الجريمة أعلاه، والتي كان مسرحها شهر العسل الدامي. إذ كيف تجرأت زوجة لاتخاذ قرار التخلص من زوجها بتلك البساطة؟! ليس بطلب الطلاق، ولا بالاحتمال النبيل إلى "أن يأتي الحب بعد الزواج" كما يظن الكثيرين، ولكن بإنهاء حياته، مرة وللأبد!

أما الجانب الأخر في الكارثة، كارثة اغتصاب الزوجة، يتمثل في غياب الثقافة الجنسية، إن كان ثمة دافع خفي للجريمة، يُسمي الرغبة في الجماع محاولة اغتصاب، ولا يمكن أبدًا التماس العذر للعروس، ما لم تكن في حالة دفاع عن شرفها، وهنا يصعب تخيل ما سوف تنتهي إليه محاكمتها، لكن تشكل تيار على مواقع التواصل الاجتماعي السودانية رافض لإدانتها بالقتل العمد منذ الآن.

ثمة من يعتقد أنها في الحقيقة كانت تدافع عن كرهها لزوج مفروض عليها، لا تحبه ولا تشعر بالأمان معه، وهي بالضرورة أخطأت، بل أجرمت في حق نفسها قبل أن تجرم في حق الضحية. وهنا لا يختصر الأمر على حادثة "شهر العسل"، ولكن على حوادث أخرى في طي الكتمان، فهل كانوا جميعهم يسعون إلي زوجاتهم بالرغبة العنيفة في الحصول على المتعة الجنسية؟ أم أنه الجموح القاتل، والذي هو أيضًا مدعاة للتفاخر بين الرجال في الثقافة الشعبية؟

لا أحد يملك إجابة قاطعة، ولكن الخطورة كلها تكمن في الإكراه المعنوي، والذي يبدأ بإرغام الفتيات على الزواج، وإرغامهن مجددًا على القبول بالإساءة الجنسية.

يتمثل أحد جوانب كارثة اغتصاب الزوجة، إلى غياب الثقافة الجنسية، لدى الرجل أو المرأة، ما يحول الرغبة في الجماع لمحاولة اغتصاب

إنها، ويا للأسى، جريمة مركبة، ربما يسهل التعامل معها من نواح نفسية واجتماعية، أو بنظرية التفكيك. الزوجة قتلت نتيجة لتصوراتها الخاطئة، ورغبتها في التخلص من حالات الاغتصاب اليومي، والذي تسبب فيه الأهل، وهي تعلم أن زوجها سيقترب لا محالة. أما الزوج فهو ضحية دون شك، لكنه فات عليه أن يبدد خوفها وشكها، ويزيل النقاط السوداء العالقة في مخيلة زوجته، وقبل كل شيء يراضيها، ولو بالاستدراك، فيكون إمساكًا بمعروف "زواج تراض" أو تسريحًا بإحسان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

7 أخطاء شائعة يقع بها المتزوجون في بداية الطريق

جامعات السودان.. دفيئة الزواج العرفي

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert