أي إعلام يريد السودان بعد ثورته؟
6 أكتوبر 2019
ما من شك أن الفترة الانتقالية التي يمر بها السودان في هذه الأيام هي من أصعب الفترات، ولربما اختلف البعض في أنها ربما تكون أصعب من فترة إسقاط النظام ونزف الدماء ورهق المعتقلات والسجون، إن لم تكن مساوية لها في الشدة. ولربما كان هؤلاء محقين فيما ذهبوا إليه، إلا أن ما يمكن أن يتفق عليه الغالبية، هو أنها فترة لا يمكن مقارنتها ألبتة إلا مع فترة إنجاز الثورة إسقاط النظام، لأن الثورة لا معنى لها من دون نجاح هذه الفترة الحساسة من عمر الأوطان التي يتوق بنوها للحرية.
الإعلام الذي يرغب فيه الناس في الفترة الانتقالية، هو الإعلام الذي يمنح صوتًا لأولئك الذين لا تصل أصواتهم للناس، ولا يسمع بمعاناتهم أحد، ولا يدرك الناس أوجاعهم
هدم لأجهزة الإعلام وتغييب متعمد لصوت الشعب
شهد السودان طيلة ثلاثة عقود حكمًا شموليًا تسلطيًا مقيتًا، عاث في البلاد فسادًا لم تشهد مثله في تاريخها القديم والحديث، وكعادة كل النظم التسلطية فإن الكلمة تصبح جريمة تستحق عليها أن تكتم أنفاسك إلى الأبد. والبشير كغيره من الديكتاتوريين كان أول ما فعله هو إغلاق الصحف ومصادرتها، واحتلال مباني الإذاعة والتلفزيون السودانيين، ووكالة السودان الرسمية للأنباء. جميع هذه المؤسسات وجد من لا ينتمون لحزب البشير/الترابي أنفسهم خارجها في ليلة وضحاها، لتبدأ حملة شعواء من التغييرات في مهامها ومؤسساتها ووجبات عملها، لم يسلم منها أي شيء. كل شيء مسخ إلى ضده تمامًا، فالتلفزيون الذي كان ينقل ما يحتاج المواطن إلى معرفته من أخبار، ويقوم بدور تثقيفي وتنموي، صار أداة لاستعراض النظام عضلاته أمام مواطنيه، والإذاعة التي كانت تبث أخبارًا ينتظرها الناس ليديروا موجة أجهزة الراديو عليها دون أن تفوتهم عبارتها الافتتاحية "هنا أمدرمان" صارت منبرًا يسمعهم منه خلاله النظام السباب والشتائم، ويذكرهم أنه ما أتى إلا ليصحح إسلامهم الفاسد، لتبدأ بعده موجة من المحتوى الرديء والركيك والمرتجع تردده ألسنة مذيعي ومقدمي البرامج، وتستضيف فيه رموز النظام وحدهم ليرقصوا في مسرح الرجل الواحد.
تدجين كامل يصعب الخلاص منه
على مدى ثلاثة عقود كانت المؤسسات الإعلامية والصحف السودانية قد أفرغت تمامًا من كوادرها المؤهلة إلا القلة، صار لا يسمعها أحد، ولا يحفل بها إلا ضجرًا من لا يملك وسيلة غيرها لمعرفة ما يجري في العالم. ولا أدل على حالة الخواء والبوقية المنتنة التي كانت تلعبها أجهزة إعلامنا، من موجة السخط التي ما تزال حتى الآن تعتري كل سوداني مع كل ذكر لمؤسسة تلفزيون السودان. فحتى بعد سقوط النظام، وذهابه إلى مزابل التاريخ، لم يتمكن التلفزيون السوداني من التخلص من تركة النظام البائد، في الاهتمام بسفاسف الأمور وصغائرها بينما كبائرها حية تسعى بين الناس. حالةٌ من التدجين الكامل هي أقل ما يمكننا أن نصف به تلفزيون السودان، وحتى حينما تمت إقالة مديره السابق "إسماعيل عيساوي" لم يستشعر الناس أثرًا لذلك التغيير، مما يوضح فداحة الكارثة التي يعاني منها السودان في هذا الجانب.
الشائعات تفيض على جنبات الطريق، تمامًا مثلما كان الحال في عهد النظام البائد، تختلق القصص ويتم ترويجها بكثافة، دون أن ينقل تلفزيون السودان أو صحفه، ما عدا القلة التي تحررت بعد سقوط النظام، الحقيقة للناس.
إن ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة كانت تمامًا ثورة ضد العهد الذي سيطر عليه التزييف والتطبيل للأنظمة والأشخاص، ثورة من أجل "الحرية والسلام والعدالة"، ولا حرية دون إعلام حر، يمارس رقابته على أجهزة الحكومة ويملك المواطن الحقائق كما هي دون تزييف أو تذويق. فبدون الإعلام الحر الذي يسعى وراء الحقيقة بينه وبين الناس شرف مهنة الصحافة المقدس، لا يمكن لأكبر إنجازات الثورة "الحكومة المدنية الانتقالية" إلا أن يتقزم، لا وبل يمكن أن يجهض، وبأيدي من حققوا الثورة أنفسهم، فقط اتركهم لهذه المؤسسات الإعلامية الشائهة الموجودة الآن وفي غضون أيام لن تجد شيئًا يسمى حكومة مدنية انتقالية.
أي إعلام نريد؟
الإعلام الذي يرغب فيه الناس في الفترة الانتقالية، هو الإعلام الذي يمنح صوتًا لأولئك الذين لا تصل أصواتهم للناس، ولا يسمع بمعاناتهم أحد، ولا يدرك الناس أوجاعهم، إعلام يصل للذين ظلت صرخاتهم مكتومة في داخل حناجرهم دون أن تخرج للناس، إعلام يذهب ليسمعنا قضايا الفئات المحرومة ويروي لنا قصصها، إعلام ينقل للمواطن ما يحتاج لمعرفته عن خطط حكومته للتنمية والتعليم والخدمات وكل ما يسهل معاش الناس، إعلام يتعامل مع المسؤولين الحكوميين كأشخاص مكلفين يجب أن يحاسبهم ويصبح صوتًا للمواطن الذي تُدفع من الضرائب المفروضة عليه رواتب موظفي الحكومة ويشتري خدمة الأخبار من الإنترنت كما يشتري الصحيفة ليعلم الحقيقة.
الإعلام الذي نطمح إليه في السودان هو إعلام يقوم على تعاقد مقدس بين الإعلامي وبين المواطن لا الحكومة، إعلام يكون في خدمة المواطن أولًا وأخيرًا
إذًا فالإعلام الذي نطمح إليه في السودان هو إعلام يقوم على تعاقد مقدس بين الإعلامي وبين المواطن لا الحكومة، إعلام يكون في خدمة المواطن أولًا وأخيرًا، يفرد مساحاته للأصوات الحرة التي لا تقيدها أي ولاءات سوى الولاء لثورة هذا الشعب وأهدافها السامية، ويتيح منصاته ومنابره لجيل الثورة الذي ضحى بكل ما يملك، من أجل هذا الوطن، لرفاق الشهداء، شهداء ثورة ديسمبر حتى يحيوا فينا ذكراهم وتضحياتهم، لأسرهم التي ستظل تذكرنا بوصاياهم، ولوصاياهم التي ما تجاوزت حدود الوطن. هذا هو الإعلام الذي يطمح إليه السودان لينهض، وهو ما نحاول أن نكرس له تجربتنا هذه بإطلاق موقع "الترا سودان" لينضم إلى قائمة المشاعل الجديدة التي سبقته "الترا تونس"، و"الترا فلسطين"، و"الترا عراق"، و"الترا جزائر" التي أشرقت جميعها من مشروع "الترا صوت" الإعلامي الشبابي، والذي نطمح أن يكون إضافة نوعية للمشهد الإعلامي في سودان ما بعد الثورة.
اقرأ/ي أيضًا:
المؤسسات الإعلامية والصحفية.. مهام المرحلة وصلاحيات الوزير
"خفافيش الظلام" تنقلب على عيساوي.. إقالة مدير التلفزيون السوداني
الكلمات المفتاحية

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها
قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي
نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية
تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة
أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.