رأي

آفاق التفكير تنمويًا في الثورة السودانية

4 مارس 2020
GettyImages-1137881173.jpg
ثوار سودانيون (Getty)
معز الزين
معز الزينكاتب وشاعر ومترجم من السودان

يبدو أن شعارات ثورة كانون الأول/ديسمبر سوف تلهم كل المتخصصين والمشتغلين في حقول التنمية ومجالاتها المتعددة في البحث عن أسس وخيارات بديلة من خارج أطر التفكير التنموي السائد. كما يبدو أن الفشل الذي طال أطر التنمية الإقليمية والدولية، أبرزها الأهداف الإنمائية للألفية (22015-2000-MDGs) وأهداف التنمية المستدامة (SDGs-2015-2030) التي ستلفظ أنفاسها الأخيرة قريبًا، سيعيد الدولة وأدوارها إلى مركز الفعل الحقيقي بعد أن ألغتها تمامًا التوجهات الاقتصادية النيوليبرالية والسياسات القائمة على خصخصة المرافق العمومية والخدمية الأساسية وتحرير التجارة الخارجية.

إن شعار الثورة الجذري والأساسي "حرية سلام وعدالة" سيشرع الآفاق تنمويًا نحو بناء جهاز دولة قادر تنمويًا على الحد من النزاعات والفقر والبطالة والأمية

إن شعار الثورة الجذري والأساسي "حرية سلام وعدالة" سيشرع الآفاق تنمويًا نحو بناء جهاز دولة قادر تنمويًا على الحد من النزاعات والفقر والبطالة والأمية. وذلك إذا ما تم بناء جهاز دولة قادر بنيويًا ووظيفيًا على العمل في مستوي الهياكل المحلية الصغرى بكفاءة عالية، متوسّلًا آليات توزيع وتخصيص للثروات والمداخيل والفوائض، بحيث تتوخى هذه الآليات الإنصاف والعدالة في التوزيع وإعادة التوزيع والتخصيص رأسيًا وأفقيًا بين المجتمعات المحلية والطبقات الاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: مغفلو الأبارتايد المفيدون.. أو الكلبية اللاأخلاقية

لقد ظلَّت قضايا الناس ومطالبهم الأساسية خاضعة لنماذج تنموية تختزل هذه المطالب في أطر وتدخلات هي عبارة عن مصفوفات تمكين وقياس عاجزة حتى مؤشراتها عن الاستكشاف الشامل لخريطة الأولويات والاحتياجات والتحديات والفرص. إذ ظلت هذه النماذج تعمل على طمس قضايا الناس وتمويه مطالبهم من خلال مؤشرات الحد من ارتفاع معدلات "الفقر" والأمراض الوبائية ووفيات الأطفال والحوامل والبطالة. لقد أفرغ هذا التفكير المصفوفي التكميمي الاستراتيجيات والبرامج التنموية من أي مضمون أو مغزى غايته تحسين المستويات المعيشية وتطوير القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية الأساسية. إذ لا يزال صُنَّاع السياسات والمخططين وخبراء التنمية يُفكِّرون في سياسات الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الكلي دون الأخذ في الاعتبار التشوهات البنيوية العميقة التي تكتنف جهاز الدولة الموروث والمتآكل والمعطوب. فبغض النظر عن مدى فعالية أي سياسة عامة أو برنامج اقتصادي أو استراتيجية تنموية، فإن هشاشة جهاز الدولة وضمور الأدوار الوظيفية للمؤسسات التنفيذية ولآليات توزيع/إعادة توزيع الثروات والمداخيل الفوائض تحول دون أن تتحقق الأهداف المرجوة من السياسات والبرامج والاستراتيجيات. لذلك لا بد أن يتجاوز التفكير التنموي أفق النظرية التنموية الحديثة، باختزالاتها العميقة والمتعددة الأوجه للعملية التنموية في حزمة من الإصلاحات الهيكلية لسياسات الاقتصادي الكلي، المتمحورة حول تحفيز النمو الاقتصادي الاحتوائي الشامل، على الرغم من أن ارتفاع معدلات النمو برهنت في الكثير من الحالات والنماذج على أنها معدلات مفخخة وزائفة ومصدرها أنشطة اقتصادية ريعية غير منتجة، وذلك دون أن تنعكس ثمار هذا النمو في حياة الناس ومعايشهم، برفع مستويات الحياة المعيشة وتوفير الخدمات الأساسية، ناهيك عن أنه في بعض الحالات والنماذج لم يحول الارتفاع المطرد للنمو الاقتصادي دون تفشي الفقر والبطالة.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. إمكانية النهوض على الطريقة اليابانية

كما لا يمكن النظر إلى ظواهر من شاكلة الفقر، البطالة، النزاعات، الأمراض الوبائية، الأمية، الهدر الحيوي والبيئي للموارد.. إلخ، بوصفها مشكلات عارضة سببها اختلالات هيكلية ناجمة عن سياسة عامة أو برنامج اقتصادي أو استراتيجية تنموية، مع أنها أزمات هيكلية في حد ذاتها ناجمة عن تشوهات بنيوية عميقة في جهاز الدولة ومؤسساته التنفيذية وآليات التوزيع والتخصيص والضبط والمراقبة.

إن هذه الأزمات الهيكلية هي نتاج تشوهات بنيوية وظيفية في جهاز الدولة ومؤسساته وآلياته، حيث ظلَّت تفضي هذه التشوهات، لأكثر من نصف قرن، إلى اللاعدالة الاقتصادية والاجتماعية في عمليات التوزيع والتخصيص للثروات والمداخيل والفوائض، مما نجم عنها فوارق اقتصادية بين الطبقات الاجتماعية وتفاوتات تنموية بين المجتمعات المحلية، كما تمخَّضت عنها ضروب أخرى من الحرمان والتهميش والإقصاء والنفي والاستبعاد، مغذيةً بذلك كل أشكال العنف المُتعدِّد الأوجه والأبعاد، كالنزاعات والصراعات والحروب التي تتحكم فيها عوامل إثنية وقبلية وإيكولوجية.

إن فكرة البناء المدني والديمقراطي للدولة والمؤسسات، المرموز إليها صراحةً أو ضمنًا في كل الشعارات الثورية، لا بد أن تتماس مع إعادة النظر في كل الاستراتيجيات والخطط والممارسات والتدخلات التي ظلَّت تتم طوال أكثر من نصف قرن تحت مسمى التنمية: أي اتخاذ منحى ثوري في التفكير في العلاقة بين الدولة والنزاعات وتحسين المستويات المعيشية والخدمية  والحفاظ على الموارد البيئية من خلال أفق جديد يتجاوز التنمية بصيغها الحقلية المعرفية الُمحمَّلة بالكثير من ضروب الهيمنة والقصور المعرفي المنهجي، مثل التنمية الاقتصادية والتنمية الريفية.. إلخ، وبأطرها البرامجية السائدة، مثل التنمية المستدامة، وغيرها من الأطر السابقة واللاحقة، حيث لا للصيغ لا الأطر، لا القروض لا المساعدات التنموية الخارجية، لها فعالية مُثمرة في حل أزمات هيكلية لمجتمعات محلية يعاني جهاز دولتها من ضمور بنيوي وخلل وظيفي مزمن في عمليات التوزيع والتخصيص والضبط والمراقبة والمساءلة والمحاسبة.

نجد أن دينامية العوامل المتغيَّرة والشروط الخاصة بكل مجتمع أو فئة هي التي تتحكم في تعميق الأزمات فيه

وتترافق هذه التشوهات البنيوية والوظيفية في جهاز الدولة مع الديناميات التي تتحكم في مدى حدة تأثر كل مجتمع محلي في سياقه الصغير بهذه التشوهات المسببة للأزمات الهيكلية (الفقر، العطالة، النزعات، الأمية، الأمراض والأوبئة، الهدر الحيوي البيئي للموارد.. إلخ). وذلك باعتبار أن الأزمات الهيكلية تطرح نفسها في كل واقع معين ووسط كل فئة بعينها بطرق وكيفيات مختلفة. إذ نجد أن دينامية العوامل المتغيَّرة والشروط الخاصة بكل مجتمع أو فئة هي التي تتحكم في تعميق هذه الأزمات، ومن ثم التفكير وتوسيع خيارات الحلول بطرق وكيفيات مختلفة من مجتمعات أو فئات لأخرى تبعًا لهذه العوامل والشروط.

اقرأ/ي أيضًا

ديسمبر الجليل.. تأويلية المكان وجماليات المقاومة

الشهيد يلحم أبعادنا ويكتبنا بالدم

الكلمات المفتاحية

العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


فيلم وحوش لا وطن.jpg

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

قاعة الصداقة.jpeg
أخبار

مصادر: الدعم السريع أحرقت قاعة الصداقة للتغطية على انسحاب منسوبيها

قالت مصادر إن قوات الدعم السريع أقدمت مساء اليوم الأربعاء 12 شباط/فبراير 2025 على تخريب وإحراق مبنى قاعة الصداقة في وسط مدينة الخرطوم، إثر معارك عنيفة دارت في المنطقة انسحبت على إثرها قوات الدعم بينما تقدم الجيش.

عبدالرحيم دقلو 4.jpg
أخبار

نجاة عبد الرحيم دقلو من غارة جوية في زالنجي

نجا قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، من محاولة اغتيال بعد استهداف طيران الجيش السوداني للمنازل التي يقيم فيها بولاية وسط دارفور، زالنجي، يوم الإثنين 11 شباط/ فبراير 2025.


علي قاقرين.jpg
منوعات

قاقرين.. قصة هتاف أوقف مسيرة الكرة السودانية وحل الأندية

تقول الحكاية إن مهاجم نادي الهلال العاصمي والفريق القومي السوداني، علي قاقرين كان السبب في إلغاء نظام الكرة السوداني في العام 1976 وإبداله بما عرف تاريخيًا بـ"الرياضة الجماهيرية"، وهي المرحلة المتهمة بإقعاد الكرة السودانية وإضعافها لسنوات طويلة.

سوق في ولاية النيل الأبيض.png
أخبار

قوات الدعم السريع تجتاح قرى شمال النيل الأبيض وتمارس انتهاكات واسعة

أفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، بتعرض سكان وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – إلى اجتياح بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الفتاكة.

advert